الرئيسية من تراثنا أخبار مؤتمر الحوار الديني والمجتمع المدني الحديث

مؤتمر الحوار الديني والمجتمع المدني الحديث

   افتتح مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي فعاليات نشاطه السنودسي والدولي، بعقد مؤتمر دولي للحوار الديني والمجتمع المدني الحديث، تحت شعار: "نعيش معاً .. نفكر معاً .. نعمل معاً"، وذلك في الفترة من الثلاثاء 20 سبتمبر وحتى الخميس 22 سبتمبر 2011، بفندق موفنبيك بمدينة السادس من أكتوبر، وقد شارك في فعاليات المؤتمر ممثلو الكنائس المصرية الثلاث، الإنجيلية والأرثوذكسية والكاثوليكية، بالإضافة لعدد من قيادات الكنيسة الإنجيلية بألمانيا، وممثلا الفاتيكان، والأزهر الشريف، وفي حضور نخبة كبيرة من المثقفين والمفكرين ورجال المجتمع المصري ورجال الدين المسيحي والإسلامي، وأكثر من مئتي مشترك يمثلون أطياف المجتمع المختلفة.

   ضمت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العديد من القيادات الفكرية والدينية والتنفيذية على رأسها، سفير الفاتيكان بمصر، والمستشار محمود عزب ممثل شيخ الأزهر، والسيد عماد أبو غازي وزير الثقافة، والمطران  مطران منير حنا الكنيسة الإنجيليكانية بمصر وشمال أفريقيا، كما حضر أيضاً الدكتور القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية، والقس ألبرت لويس رئيس سنودس النيل الإنجيلي، ورئيس هيئة كونراد إديناور، والدكتور القس ثروت قادس رئيس مجلس الحوار والعلاقات الدولية بسنودس النيل الإنجيلي، والدكتور القس إكرام لمعي المستشار الإعلامي للمجلس.
وقد أكد لمعي أن الكنيسة الإنجيلية كانت عازفة عن الحوار قبل الثورة، حيث لم تكن الكنيسة تشارك في أي حوار في ظل النظام السابق لعدم تنظيم حوار جاد وفعال وكان يتخذ أشكالاً متنوعة دون الخوض في مضمون القضايا، لكنها بعد 25 يناير انفتحت الآفاق للحوار من أجل صناعة مجتمع مدني حديث، أسست الكنيسة الإنجيلية مجلساً للحوار والعلاقات الدولية اهتمامه الأول والأهم هو الحوار وبناء الثقة مع الآخر مستعيناً بخبرات بكل الخبرات المحلية والدولية في هذا الشأن، وقد انتهز لمعي هذه الفرصة متمنياً عودة الحوار بين الأزهر والفاتيكان مرة أخرى.
وفي كلمة وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازي، أكدَّ على أن الدور الأساسي والهام لوزارة الثقافة في الحوار من خلال ساحاتها المختلفة الممتدة في محافظات مصر، فقد وضعت الوزارة منذ قيام ثورة يناير أسس المشاركة في حوار وطني حول المستقبل وحول تطوير العمل الثقافي وإشراك المثقف المصري بشكل فعال من أجل بناء المجتمع ومن أجل بناء المستقبل السياسي للوطن، وأكد "أبو غازي"، على أن أول نقطة في الحوار هي تقييم الماضي بسلبياته وإيجابياته والبناء على الايجابيات وتجاوز السلبيات، والعمل على بناء ثقافة ديمقراطية في المجتمع وإرساء القيم والمبادئ والاعتراف بالتنوع الثقافي داخل المجتمع واعتبار هذا التنوع عنصرًا قويًا يضاف للجماعة الوطنية، كما أوضح غازي معاناة مصر من المركزية الشديدة وقد آن الآوان لأن نبني مجتمعنا على أسس ديمقراطية توزع فيها الخدمات بشكل عادل ومتوزان، وإعادة هيكلة العمل الثقافي بشكل ديمقراطي من خلال مشاركة المجتمع الثقافي والمدني.
   وعن الجانب الإنجيلي فقد أشار رئيس الطائفة لبعض معطلات الحوار ومنها، الأنانية، الظلامية، الجهل بقواعد الحوار، ضعف الثقة بالنفس والثقة بالأخر، والانقيادية والانجراف، والغواية وراء الصوت العالي، والشعارات الجوفاء التي ليس لها مضمون، في حين بدأ رئيس السنودس كلمته بتحية لروح شهداء مصر الذين استشهدوا من أجل الإصلاح، مطالبًا أن يكون الحوار تطبيقي على مستوى العامة وليس الخاصة حتى يتعلم الجميع كيفية الحوار والعيش بإيجابية، وقد رفض تعبيرات عنصري الأمة، والنسيج الواحد لما تحمله من مضمون يفرق بين الشعب الواحد، في حين أن خليقة الله كلها جسد واحد وان اختلفت أعضائه.
   وقد تحدث مستشار شيخ الأزهر مؤكداً على أن الأزهر يرى في المسيحية ديانة المحبة، وفي الإسلام دين الرحمة، وأكدَّ سيادته على أن هناك حواراً مفتوحاً داخل الأزهر يشمل كل القوى السياسية، ولقاءات الأزهر بغالبية المرشحين المحتملين للرئاسة وممثلى الأحزاب السياسية واتفاقهم على وثيقة الأزهر إنما هي خطوة مهمة تؤكد الدور الوطنى العظيم للأزهر والقيام بدور كبير خلال الفترة المقبلة بما يحمله من رسالة تحتم عليه أن يكون حاضراً وبقوة طالما أنه ليست له مطامع سياسية. كما أكّد على أن الأزهر سيواصل حواراته المستمرة نحو دعم الحوار والمساواة والعدالة، ومواجهة العديد من مشكلات المجتمع بشجاعة، وأن مبادرة بيت العائلة التي يشارك بها ممثلون عن الطوائف المسيحية والأزهر لن تكون مجرد دردشة لكنها تعتبر نموذجاً للحوار الذي يعترف بوجود مشاكل حقيقة في مجتمعنا، حلها مرهون بدور كل فئات المجتمع والقوى السياسية في دعم التسامح وحق الاختلاف والبعد عن تديين المشكلات الاجتماعية بين المواطنين.
أما مطران الكنيسة الأنجليكانية في مصر، عدَّد الكثير من أهداف الحوار المشترك، منها العمل معًا على حل الصراعات التي تنشأ في أماكن متفرقة في العالم، والاستفادة من تأثير القادة الدينيين في تحقيق المصالحة ومكافحة الظلم ومناهضة أي انتهاك لحقوق الإنسان، وتشجيع المؤسسات المختلفة في ممارسة دورها في التنمية، وقد قدم عرضًا لأشكال التعاون تعاون بين الكنيسة الأسقفية والأزهر في بناء مستشفى هرمل بالمنوفية ومشروع مكافحة العمى، مؤكدًا على تشجيع العمل التنموي المشترك بين الكنيسة والأزهر الشريف، وختم حديثه، بالقول: بأننا بعد ثورة يناير العظيمة نحن في أمسّ الحاجة إلى الحوار والوحدة الوطنية، في ظل الاستناد إلى القانون والمساواة في الحقوق والواجبات والقضاء على التمييز والإقصاء لبنا مصر الحرة.
وفي ختام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر استهل ممثل الكنيسة الأرثوذكسية، بمقولة قداسة البابا شنودة أن مصر ليست وطن نعيش فيه، لكنها وطن يعيش فينا، مؤكداً على أن مصر عزيزة على كل مواطن على أرضها، وعلينا جميعاً واجب أن نبحث عن كيف نبنى هذا الوطن، فمصر مهد الحضارات والديانات، ولكي يكون الحوار بناء يجب أن يتميز بالحب، نتحاور لكي ما نصل إلى هذا الحب الذي هو أساس كل شئ.
   وأنهى رئيس مجلس الحوارات والعلاقات الدولية، فعاليات الجلسة الافتتاحية متناولاً في كلمته شرحاً لمعنى كلمة "سنودس"، موضحاً أنها كلمة يونانية تعنى "اثنان معًا"، ومنها استمد شعار المؤتمر "نعيش معاً .. نفكر معاً .. نعمل معاً"، كما أكدَّ على أنه لا يمكن أن توجد دولة مدنية قبل أن يكون هناك المجتمع المدني، ومن هنا تكمن أهمية المؤتمر الذي يدعو للعيش معاً في مجتمع يؤكد على حقوق الإنسان في المجتمع التي ترتبط بالجماعية والمجتمعية في ظل دولة تحترم القانون وتفعله، وبين حق الإنسان الشخصي في معتقداته وعبادته لله.
بنهاية الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الديني والمجتمع المدني الحديث، بدأت فعاليات المؤتمر بمجموعة من ثمانية ندوات وبعض ورش العمل لزيادة فاعلية وتفاعل الحضور ولمناقشة ما دار في تلك الندوات ووضع التوصيات المناسبة لتفعيلها، وقد قدَّم الندوات الكثير من مفكري المجتمع وأطيافه المختلفة، بمشاركة فاعلة لبعض قيادات الكنيسة الألمانية وخبرات مشتركة بين رجال دين مسيحي وإسلامي وشباب من البلدين في تجربة تستحق الدراسة.
   جاءت الندوة الأولى تحت عنوان: "ضرورة الحوار في المجتمع المصري الآن"، التي تحدث فيها الأستاذ سامح فوزي، الكاتب الصحفى ورئيس مؤسسة "مواطنون من أجل التنمية"، والأستاذ الدكتور نبيل عبدالفتاح، مدير مركز الدراسات التاريخية بالأهرام، حيث أكدَّ فوزي على مواجهة المجتمع المصري لإشكاليات عديدة تزيد من فترة المرحلة الانتقالية وتعمل على تغييب قضايا مهمة وتهميشها لحساب قضايا أخرى، منها غياب الحديث حول النظام السياسي لمصر في الفترة المقبلة، وهل سيتم اختيار النظام البرلماني أم الجمهوري؟ كما أكدَّ الغياب الواضح لمناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، والتناحر حول مدنية ودينية الدولة وهى أمور لا تحدث في الدول التي تشهد تحول ديمقراطي، كما انتقد فوزي التراجع عن مكتسبات المجتمع بدعوى أنها تنتمي للنظام السابق، مستشهدا بلافتات في بعض محافظات الصعيد تدعو لختان الإناث وتجاهل تفعيل قانون الطفل باعتبار أن هذه أمور تخص سوزان مبارك دون النظر للنقاش الذي ساد المجتمع حينها، كذلك انتقد غياب مراكز الشباب وقصور الثقافة المنتشرة في مختلف المحافظات عن دعوة المواطنين للحوار حول أولويات المرحلة الحالية والاستفادة من تجارب البلدان التي شهدت ثورات ثم سرعان ما قامت ببناء نفسها من جديد، مشيراً إلى الفترة المقبلة تتطلب مراجعة شاملة لمرحلة ما بعد الثورة من أجل تحديد ملامح الدولة الحديثة.
   أما عبدالفتاح فقد أشار إلى أن ترهل المرحلة الانتقالية يهدد مكتسبات الثورة ويمكن أن يُعرِض المجتمع لانتكاسة إذا لم يحاول الخروج منها، فالمجتمع شهد -ومازال- مزيد من الانتهاكات والانفلات الأمني وأعمال العنف والبلطجة، ومناوشات بين الليبراليين والإسلاميين على قضايا كان يمكن أن تؤجَّل نظراً لوجود أولويات وعراقيل يمر بها المجتمع وكانت تتطلب توافقًا بين القوى السياسية لمنع استغلال المجلس العسكري للتشرذم الذي يمر به المجتمع، كما أوضح عبد الفتاح أن انتشار الفكر التكفيري في المجتمع ووجود مساحة للتيارات الراديكالية يعيق من الوصول للدولة المصرية الحديثة، ومحاولة بعض الجماعات تطبيق القانون على طريقتها دون اعتبار أن هناك دولة لديها شرعية تفعيل القانون وردع الخارجين عنه مستشهدًا بما حدث في قنا أذن مواطن في قنا، وما يحدث في أسوان كمحاولة لمنع بناء قباب كنيسة حاصلة من الدولة على ترخيص بناء.
   أما الندوة الثانية والتي عُقدت تحت عنوان: "مفهوم المجتمع المدني الحديث"، فقد تحدث فيها كل من الأستاذ عماد جاد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، والدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والكاتب الصحفي عبدالعظيم حماد رئيس تحرير جريدة الأهرام، تحدث جاد عن سمات المجتمع المدني الحديث فأكدَّ على أنه مجتمع يتميز بمميزات كثيرة لا يمكن حصرها كقدرته على التواصل والتجدد وخضوعه للمسائلة المستمرة ولحركته وقدرته على سرعة التشكل مع الظروف المحيطة وقدرته الكبيرة على حماية الأفراد من التعصب الديني أو القبلي والعرقي والمحافظة على نسيج المجتمع المترابط، أما العريان فتناول مكانة الدين في المجتمع المدني منطلقاً من احترام وتبني جميع المصريين لوثيقة الأزهر معتبراً أن هذا الطرح الأزهري والتبني المجتمعي فيه ما يكفي لتوضيح مكانة الدين وأهميته في المجتمع المصري، الذي يجعل للإيمان بالله واليوم الآخر مكانة عظيمة في النفوس منذ فجر التاريخ، وأن مصر بكل مواطنيها يعتبرون الدين ركيزة أساسية نحو التطور والمستقبل. وفي تعليقه على تلك الندوة طالب حماد المواطنين بانتزاع قوة المشاركة الايجابية والتغيير وتحديد ملامح أولويات المرحلة الانتقالية، ومواجهة المشكلات التي يمر بها المجتمع والتعبير عن رأيهم وتحديد طلباتهم وإحراج القوى السياسية التي تختلف على قضايا ليست من أولويات الناخبين في المرحلة الراهنة.
بدأ اليوم الثاني بندوة "الحرية الدينية والفكر المدني من أعمدة المجتمع المدني الحديث"، والتي تحدث فيها الشيخ الدكتور سالم عبدالجليل وكيل شئون الدعوة بالأزهر الشريف، والبروفسير الألماني ايدوموند فايبر الأستاذ بجامعة فرانكفورت الألمانية، والشيخ عبدالرؤوف المغربي وكيل وزارة الأوقاف بأسيوط وعضو لجنة الحوار، وفي كلمة لاهوتية وفلسفية عميقة عرض فايبر تجربة ألمانيا في التحول إلى المجتمع الديمقراطي الحديث والأسس التي قامت عليها مؤسسات المجتمع المدني في تقبل الآخر والديانات المختلفة عن المسيحية، مؤكداً على أن الحرية الفردية لاعتناق الدين فريضة وضرورة تاريخية، كما أن علاقة الإنسان بربه علاقة حرة عليه أن يشكلها ويصيغها بذاته، أما الأفراد والمجتمعات التي ترفض ذلك فأولئك هم الذين يصنعون البيئة الصالحة للاستبداد. أما عبدالجليل فقد أشار في كلمته إلى أن الإنسان بطبيعته شخص متدين بالفطرة، لافتاً النظر إلى أنه في الفترة الأخيرة، ارتفعت مظاهر التدين الشكلية دون الجوهرية، وأن الأديان لا تميز بين البشر، كما أشار إلى أن الجزية كانت تُطبق على المسيحيين في صدر الإسلام كما تُطبق الضريبة اليوم، وتناول سبب عدم انخراط الأقباط في الجيش والحروب وقتئذ لأن الحروب كانت تقوم على أسس دينية وليس لحماية أرض الوطن مثلما حدث في حرب تحرير سيناء وحيث انتفت هذه العلة الآن وأصبحت الحروب حروب وطنية وليست دينية، فيجب أن يشارك فيها أبناء الوطن الواحد، أقباط ومسلمين فالأقباط مواطنون كاملي الأهلية والمواطنة، كما أوضح أن الحدود لا يجب أن تُطبق على غير المسلمين، وقد رفض عبدالجليل ما يحدث بالمجتمع من عقد جلسات صلح عرفية أو تطبيق القانون بيد الأفراد، مؤكدا أن الجهة الوحيدة التي لها هذا الحق هي القضاء فقط. من جانبه، أكَّد المغربي، على أن الحرية تعني حرية التفكير وحرية العقيدة وحرية الحوار، وانتقد المغربي، ما يحدث في هذا الزمان من فكر معتل من بعض الطوائف، يظهر التشفي والتشرذم فكل طائفة تتحدث عن الأخرى بكراهية، واختتم المغربي، كلمته بأن مصر وفد إليها كثير من الأنبياء مثل نبي الله إدريس وإبراهيم ويوسف ويعقوب وعيسى وأمه، كما أن مصر قادت العالم بكنيستها وأزهرها، فمن يريد لبننة مصر خاب أمله.
   وتناولت الندوة الرابعة والسادسة والسابعة النموذج الألماني في علاقته بالأتراك المسلمين مقارنة بالنموذج التركي على طريق الاتحاد الأوربي، ومستقبل مصر في ضوء تلك الخبرات، تحدث في الندوتين الشيخ أحمد ترك إمام جامع النور، والقس نادي لبيب راعي الكنيسة الإنجيلية بالمقطم، والمهندس المصري الألماني إبراهيم آدم، والدكتور القس ثروت قادس، بالإضافة لبعض القيادات الكنسية التي تمثل الكنيسة الإنجيلية الألمانية منها القس مارتن أفولدربخ، مسؤول الحوار في الكنيسة الإنجيلية الألمانية أنه لا يمكن فصل الحوار الديني عن الحوار الثقافي والسياسي والاجتماعي وقال: داخل الدين الواحد يوجد العديد من المذاهب والطوائف والتي تختلف في الثقافة وبالتالي عند إجراء أي حوار لا نستطيع استثناء الخلفية الدينية والثقافية لأنها هي التي ستحدد مسار الحوار، كما أضاف أنه عند الحديث عن الحوار الديني ودوره في بناء دولة ديمقراطية حديثة يجب أن نؤكد على أن كل الأديان تتفق على العدالة والمساواة الاجتماعية، وبالتالي نتفادى نقط الخلاف العقائدية لنتحدث عن المبادئ المشتركة التي تساعدنا في تطوير المجتمع.
   كما أوضح القس فيكتور مكاري منسق العلاقات الكنيسة الإنجيلية بالولايات المتحدة مع كنائس وهيئات الشرق الأوسط سابقا: أن مشكلة الحوار الديني في مصر إننا نختزله في جملتين هما المسيحية دين المحبة والإسلام دين الرحمة، ولا نتناقش في الممارسات التي تترجم هذه العقائد.
وعلى الرغم من أن الحوار الديني في مصر سوف يعود عليها بالخير إلا أنه سيأخذ أجيالا حتى نستطيع أن نقيم حوارا دينيا بناءً قائما على استخدام القيم الموجودة في كل دين، والتي تحرك مشاعرنا وضمائرنا وأفعالنا لصالح مصر.
   أما الندوة الخامسة والتي حملت عنوان "تحليل المجتمع المصري بعد 25 يناير"، فقد قدم الدكتور عمار على حسن أستاذ علم الاجتماع السياسي تحليلاً سياسياً واجتماعياً للمجتمع المصري بعد ثورة يناير وحتى الآن مستلهماً رؤية للمستقبل المصري، مشيراً إلى أن أتباع التيار الديني لم يتواجدوا في الأيام الأولى للثورة خاصة يوم 25 يناير، حتى حدث التحول الكبير في مسار الأحداث يوم 28 يناير ومن ثم دخلت التيارات الدينية في مرحلة تحصيل الحاصل، وأشار إلى أن الخلافات قد بدأت تظهر بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ التصريح بأن المدنية هي أساس الدولة القادمة، داعيًا السياسيين لمواجهة الخطاب الديني التقليدي بخطاب ديني حديث متطور مبني على فهم صحيح وعميق للدين، وفي كلمته عن ثورة 25 يناير لماذا؟ وإلى أين؟ تحدث الدكتور القس إكرام لمعي عن أن الدولة المصرية إبان حكم الرئيس مبارك كان بها 9 أنظمة أمنية لحماية منصبه الرئاسي والضرب بيد من حديد علي كل من يخالفه، كما أشار لمعي إلى أن النظام السابق سقط منذ أن خان النظام الجمهوري مع تبنيه فكرة التوريث، وقد كان معظم المحللين السياسيين يتوقعون حدوث ثورة في مصر، وفي رؤيته لمستقبل مصر توقع لمعي وجود ثلاثة سيناريوهات لشكل الدولة في المرحلة المقبلة الأول: هو سيطرة الإخوان علي مقاعد الأغلبية في البرلمان وتوليهم الحكم، وهذا السيناريو ليس قويًا لكننا لا يمكن أن نتجاهله، أما الثاني: هو حصد الأحزاب والائتلافات الشبابية مقاعد البرلمان وتكوين حكومة ائتلافية، بينما يأتي السيناريو الثالث: وهو أن يدفع المجلس العسكري بمرشح دون الإعلان عن دعمه بشكل مباشر حتى يحققوا معادلة وجود دولة مدنية مع استمرار حكم العسكر.
بينما أوضحت الأستاذة فاطمة ناعوت الكاتبة الصحفية، أن السياسة في التعامل مع الأقباط ومشكلاتهم وقت وجود مبارك لم تختلف بعد الثورة.. وكانت أزمة كنيسة صول قد نقلتنا من حالة الفتنة الطائفية إلي حالة الاضطهاد لأن المجلس العسكري والدولة انحازا إلى الجانب الآخر ضد الأقباط، مشددة على أن العلمانية هي التي تحفظ الأديان وليست كفرًا كما يحاول البعض تصويرها.
واختتمت الندوات بندوة عنوانها "رؤية مستقبلية لمصر"، تحدث فيها الدكتور القس أندريا زكي نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ومدير عام الهيئة القبطية الإنجيلية، والدكتور حسن وجيه خبير لغويات التفاوض والحوار الدولي،، والدكتور خالد منتصر الطبيب والإعلامي المتميز، حيث أكَّد زكي إلى أن الطريق للعبور إلى المستقبل لن يتم إلا من خلال التصدي لأربع قضايا أساسية الأولى: قضية التجديد الديني وقبول التفسيرات المتعددة، وقبول حقيقة أن لا أحد يملك الحقيقة في تأويله للنص الديني، أما القضية الثانية فهي التجديد الثقافي وقبول الاختلافات الثقافية، أما الثالثة فتنحصر في أهمية الدور الإعلامي والتوازن في التركيز على قضايا وقطاعات المجتمع المختلفة وليس بالتركيز على بعض الاتجاهات والشخصيات مما يعطيها وزناً على حساب الآخر، أما القضية الرابعة في رأيه فهي تفعيل الديمقراطية التي لا تقوم أبدًا على الأقلية والأغلبية الإستاتيكية "الثابتة" حيث الدين في الحالة المصرية، بل الديمقراطية الديناميكية التي تقوم على البرامج السياسية والمجتمعية، حيث يمكن للأغلبية أن تصبح أقلية والعكس وبالتالي يتم تداول السلطة بين الأغلبية والأقلية، أما منتصر فقد رفض مصطلح "التسامح"، باعتباره يحمل معنى "استعلائياً"، مؤكداً أنه لا وجود لمعنى التسامح في دولة المواطنة، كما انتقد منتصر أيضاً مصطلح "أن المجتمع المصري مجتمع ديني بالفطرة"، مشيراً أنه في دراساته العلمية فلم يجد ما يُسمى بجين التدين أو الفطرة، أما عن رؤيته لمستقبل مصر فقد حددها منتصر في العلمانية مرجعاً ذلك لكونها لا تدعي القداسة، وقادرة على إصلاح نفسها، وقد عبَّر منتصر عن تخوفه من المستقبل، حيث الموائمات السياسية التي يخسر فيها التيار الليبرالي كل يوم مقابل المكاسب التي يحققها تيار الإسلام السياسي.
واختتم المؤتمر ببعض التوصيات التي أفرزتها ورش العمل ولخصَّتها وقدمتها للمؤتمرين الدكتورة نادية حليم أستاذ علم الاجتماع السكاني بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، حيث أشارت إلى ما طالب الحضور من به رجال الدين الإسلامي والمسيحي والمثقفين والمفكرين، بتعزيز مبادئ الدولة المدنية، التي تقوم على احترام حرية الفرد في اختيار حياته وعقيدته دون إكراه، وعدم استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، كما رفض الحضور إقامة أحزاب على أساس ديني، ومحاولات الزج بالدين في أمور سياسية واقتصادية، واستخدام الشعارات الدينية، والملصقات التي تقوم على الطائفية وإثارة الفتنة. كما طالب الحضور بضرورة تطبيق العدالة من خلال قانون مدني يساوى بين جميع أبناء المجتمع، كما أوصوا بالقضاء على السلبيات التي ارتبطت بالدين، مثل ارتفاع أصوات مكبرات الآذان بالمساجد مراعاة لحرية الآخرين في التمتع بالهدوء في منازلهم، وتعطيل حركة الشوارع أثناء الصلاة، وأوصوا أيضاً بعدم التوسع في انتشار المدارس والبنوك على أساس ديني، وطالبوا بضرورة توسيع التعاون المشترك بين الكنيسة والمسجد، لإقامة مشروعات مشتركة وتوسيع ثقافة الاختلاف وقبول الآخر.

شاهد الفيديو

Get Adobe Flash player

 

اضف تعليق


الكود
تغير الكود