الرئيسية

المبدأ الأول: الفساد الكُلّي

"كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ.
لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ.
الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا.

لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ"

(رومية 3: 10- 12).

"الفساد الكُلّي" وبالإنجليزية "Total Depravity"، عقيدة يشرح من خلالها كالفن كيف فسد الإنسان، وأصبح فساده وعجزه كلياً حتى أنه

لا يستطيع ولا يمتلك القدرة على فهم أو عمل الصلاح أو الإتيان للمسيح المخلص ما لم يجتذبه الآب؛ فماذا يعني فساد الإنسان؟ وما هو الفرق بين الفساد المُطلق والفساد الكُلّي، وما الذي تؤكِد عليه هذه العقيدة؟

يعتقد كالفن أنَّ الله خلق الإنسان في حالة البر الكامل، وجعله تاجاً للخليقة كلها، لكن بذرة الفساد حلَّت بالإنسان الأول عندما أخطأ متعدياً وصية الله بألا يأكل من الشجرة المُنهى عنها، فكانت خطية آدم عصياناً صريحاً ومتعمداً وواعياً ضد الله، وهذا جعله تحت حكم الموت والذي هو انفصال روحي وتام عن الله، إنَّ الخطية والسقوط ألحقا بالإنسان ما يُطلق عليه "الفساد" فأصبح قلب الإنسان وعواطفه وإرادته وعقله وجسده، جميعها فاسدة نتيجة خطيئة وعصيان الإنسان وتمرده ضد الله.

وكنتيجة للسقوط والفساد الذي حلَّ بالإنسان الأول "آدم"، أصبحنا نُحسب مذنبين أمام الله بسبب خطية أدم لأن كل البشرية كانت ممثلة فيه وقت السقوط؛ كما ذكر بولس "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12)، كما أننا ورثنا من آدم طبيعة فاسدة، وصلت إلينا بالولادة الطبيعية، ويكتب داود النبي: "هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مزمور 51: 5)، وأصبح الإنسان عاجزاً تماماً عن تحقيق الصلاح الروحي أمام الله بأعماله؛ لأنه أصبح يفتقر القدرة على عمل الصلاح الروحي بنفسه "الَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ (رومية 8: 8).

وثمة تمييز يجب أن نؤكد عليه، بين "الفساد المُطلق"، و"الفساد الكُلّي"، إنَّ الفساد المطلق يعني أنَّ الإنسان يُعبر عن شره بما لا يقاس، وأنَّ ليست فقط أفكاره، وكلماته، وأعماله صارت شريرة، بل أنه هو نفسه صار شريراً إلى أقصى درجات الشر، وهذا ما لا يُعلِم به كالفن، لأنَّ عقيدة الفساد الكلي، تعني أنَّ الإنسان دائماً ما يفعل الخطية، ليس على مستوى الفعل فقط بل في فكره وتصورات قلبه (تكوين 6: 5)، لأن "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ مَنْ يَعْرِفُهُ!"(إرميا 17: 9)، الفساد الكُلّي يعني عجز الإنسان كُلياً عن فعل أي صلاح حقيقي يُرضي ويُسِر الرب، ومع ذلك فإنَّ الإنسان لا يزال قادراَ على عمل بعض الصلاح النسبي أو الطبيعي. الذي يتوافق مع نواميس الله لكن هذا الصلاح يبقى دون تأثير روحي.

تؤكد هذه العقيدة على أنَّ الإنسان في عجزه وفساده وموته الروحي، لا يملك أدنى قدرة على خلاص نفسه، ما لم يأتيه عوناً خارجياً من الله ذاته (يوحنا 6: 44، 65)، ولا يملك الإنسان الإرادة الصالحة التي تطلب الخلاص، كما تشرح كيف أنَّ الله ليس مصدراً للفداء فقط، بل مانحاً للإيمان أيضاً، وإن كان الخلاص بالنعمة، فإن الإيمان نفسه هو عطية الله، "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. (أفسس 2: 8).