الرئيسية كتب للقراءة

تفسير أعمال الرسل للقس يوسف عبدالنور - الإصحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ

الإصحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ

 

المالطيون يقولون إنّ بولس إله

1 وَلَمَّا نَجَوْا وَجَدُوا أَنَّ الْجَزِيرَةَ تُدْعَى مَلِيطَةَ. 2 فَقَدَّمَ أَهْلُهَا الْبَرَابِرَةُ لَنَا إِحْسَاناً غَيْرَ الْمُعْتَادِ لأَنَّهُمْ أَوْقَدُوا نَاراً وَقَبِلُوا جَمِيعَنَا مِنْ أَجْلِ الْمَطَرِ الَّذِي أَصَابَنَا وَمِنْ أَجْلِ الْبَرْدِ. 3 فَجَمَعَ بُولُسُ كَثِيراً مِنَ الْقُضْبَانِ وَوَضَعَهَا عَلَى النَّارِ فَخَرَجَتْ مِنَ الْحَرَارَةِ أَفْعَى وَنَشِبَتْ فِي يَدِهِ. 4 فَلَمَّا رَأَى الْبَرَابِرَةُ الْوَحْشَ مُعَلَّقاً بِيَدِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ بُدَّ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ قَاتِلٌ لَمْ يَدَعْهُ الْعَدْلُ يَحْيَا وَلَوْ نَجَا مِنَ الْبَحْرِ». 5 فَنَفَضَ هُوَ الْوَحْشَ إِلَى النَّارِ وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِشَيْءٍ رَدِيءٍ. 6 وَأَمَّا هُمْ فَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَنْتَفِخَ أَوْ يَسْقُطَ بَغْتَةً مَيْتاً. فَإِذِ انْتَظَرُوا كَثِيراً وَرَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ شَيْءٌ مُضِرٌّ تَغَيَّرُوا وَقَالُوا: «هُوَ إِلَهٌ!» (أعمال 28: 1-6).

نجا الجميع ووصلوا إلى البرّ، ووجدوا أنفسهم في جزيرة «مليطة» (اسمها اليوم مالطة) وسكّانها من أصل فينيقي، لا يعرفون اللغتين اليونانية ولا الرومانية لذلك سمّوهم «برابرة».

وكان أهل مالطة كُرماء رُحماء، فلمّا شاهدوا ركّاب السفينة المحطّمة في غاية التّعب أكرموهم واستضافوهم. ولمّا كان الجو بارداً لأنهم كانوا في أوائل الشّتاء أوقدوا ناراً للتدفئة. وأراد بولس أن يساعدهم في جمع الأحطاب للنار، فخرجت أفعى سامّة من بين الأحطاب لدغته في يده. وشاهد المالطيون الحيّة عالقة بيد بولس فقالوا إنّه لا شك مجرم لم تدعه العدالة الإلهية ينجو، فسلَّط عليه تلك الحيّة السامّة لتقتله. ولكنّ الله كان أميناً لوعده بحفظ بولس، فنفض بولس الحيّة من يده ودفعها إلى النار، ولم يُصبه أي ضرر.

وانتظر المالطيون الذين يعرفون خطورة لدغة هذا النّوع من الثعابين أن يموت بولس فوراً، ولكن مضى وقت طويل دون أن يحدث لبولس ضرر، فتغيّر تفكيرهم وقالوا إنّه إله! وهكذا تحقّق فيه قول المسيح: «يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ،» (مرقس 16:18).

 

بولس يشفي المرضى المالطيين

7 وَكَانَ فِي مَا حَوْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ضِيَاعٌ لِمُقَدَّمِ الْجَزِيرَةِ الَّذِي اسْمُهُ بُوبْلِيُوسُ. فَهَذَا قَبِلَنَا وَأَضَافَنَا بِمُلاَطَفَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. 8 فَحَدَثَ أَنَّ أَبَا بُوبْلِيُوسَ كَانَ مُضْطَجِعاً مُعْتَرًى بِحُمَّى وَسَحْجٍ. فَدَخَلَ إِلَيْهِ بُولُسُ وَصَلَّى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَشَفَاهُ. 9 فَلَمَّا صَارَ هَذَا كَانَ الْبَاقُونَ الَّذِينَ بِهِمْ أَمْرَاضٌ فِي الْجَزِيرَةِ يَأْتُونَ وَيُشْفَوْنَ. 10 فَأَكْرَمَنَا هَؤُلاَءِ إِكْرَامَاتٍ كَثِيرَةً. وَلَمَّا أَقْلَعْنَا زَوَّدُونَا بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ (أعمال 28: 7-10).

كان حاكم جزيرة مالطة رومانياً واسمه «بوبليوس» رجلاً لطيفاً، فاستضاف يوليوس القائد ومن معه لمدّة ثلاثة أيام. وكان أبوه مريضاً بالحُمّى والسحج (الدوسنتاريا) فدخل بولس منزله وصلّى من أجل شفائه، ثم وضع يديه عليه، فشُفي الرجل تحقيقاً لقول المسيح: «ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون» (مرقس 16: 18).

ولمّا سمع المالطيون بشفاء والد بوبليوس أحضروا مرضاهم للشفاء، فشفاهم الرب على يدي بولس. وأقام بولس وسائر الرّكاب نحو ثلاثة أشهر في مالطة. وعند سفرهم أعطوهم هدايا كثيرة لأنهم كانوا قد فقدوا كلّ متاعهم في السفينة التي غرقت.

 

بولس يذهب إلى روما

11 وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ أَقْلَعْنَا فِي سَفِينَةٍ إِسْكَنْدَرِيَّةٍ مَوْسُومَةٍ بِعَلاَمَةِ الْجَوْزَاءِ كَانَتْ قَدْ شَتَتْ فِي الْجَزِيرَةِ. 12 فَنَزَلْنَا إِلَى سِيرَاكُوسَ وَمَكَثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. 13 ثُمَّ مِنْ هُنَاكَ دُرْنَا وَأَقْبَلْنَا إِلَى رِيغِيُونَ. وَبَعْدَ يَوْمٍ وَاحِدٍ حَدَثَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ فَجِئْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى بُوطِيُولِي 14 حَيْثُ وَجَدْنَا إِخْوَةً فَطَلَبُوا إِلَيْنَا أَنْ نَمْكُثَ عِنْدَهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَهَكَذَا أَتَيْنَا إِلَى رُومِيَةَ. 15 وَمِنْ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعَ الإِخْوَةُ بِخَبَرِنَا خَرَجُوا لاِسْتِقْبَالِنَا إِلَى فُورُنِ أَبِّيُوسَ وَالثَّلاَثَةِ الْحَوَانِيتِ. فَلَمَّا رَآهُمْ بُولُسُ شَكَرَ اللهَ وَتَشَجَّعَ.

16 وَلَمَّا أَتَيْنَا إِلَى رُومِيَةَ سَلَّمَ قَائِدُ الْمِئَةِ الأَسْرَى إِلَى رَئِيسِ الْمُعَسْكَرِ، وَأَمَّا بُولُسُ فَأُذِنَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ وَحْدَهُ مَعَ الْعَسْكَرِيِّ الَّذِي كَانَ يَحْرُسُهُ (أعمال 28: 11-16).

أبحر بولس ومن معه في سفينة من الإسكندرية عليها علامة «الجوزاء» وهي برج في السّماء على صورة شخصين، كان الرومان يقولون إنهما أخوان توأمان ذهبا إلى السّماء وصارا إلهين، مسؤوليّتهما أن يحرسا التجّار.

واتجهت السفينة إلى مدينة «سراكوسا» على ساحل جزيرة صقلية الشرقي ومكثت هناك ثلاثة أيام. ولمّا منعتها الريح من السفر في طريق مستقيم ذهبوا إلى مدينة في الجنوب الغربي من إيطاليا اسمها «ريغيون». وبعد يوم واحد هبّت رياح جنوبية ساعدتهم ليصلوا إلى «بوطيولي» غرب إيطاليا حيث وجدوا بعض المسيحيين الذين طلبوا منهم أن يمكثوا معهم سبعة أيام. وأخيراً وصلوا إلى روما حيث سمع المسيحيون بوصول بولس فخرجوا لاستقباله مع رفقائه في «فورن أبيوس» و «الثلاثة الحوانيت». و «فورن أبيوس» سوق على الطريق السّلطاني، أمّا «الثلاثة الحوانيت» فمكانٌ كانت تكثر فيه الفنادق.

وعندما التقى بولس بمسيحيّي روما شكر الله الذي حفظه من أخطار البحر، وتشجّع بوجودهم لأنّه كان مشتاقاً إليهم. وفي روما انتهت مهمّة قائد المئة الذي سلّم الأسرى إلى رئيس المعسكر، الذي لمّا سمع عن حُسن أخلاق بولس سلّمه إلى جنديّ ليحرسه بمفرده.

وكم كان فرح بولس بوجود المؤمنين المسيحيين في روما، وكان هذا تعزية وتشجيعاً له. فهل تحرص على تكوين صداقات طاهرة مع المؤمنين؟

بولس يستدعي شيوخ اليهود

17 وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ اسْتَدْعَى بُولُسُ الَّذِينَ كَانُوا وُجُوهَ الْيَهُودِ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، مَعَ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ شَيْئاً ضِدَّ الشَّعْبِ أَوْ عَوَائِدِ الآبَاءِ أُسْلِمْتُ مُقَيَّداً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَيْدِي الرُّومَانِ 18 الَّذِينَ لَمَّا فَحَصُوا كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُطْلِقُونِي لأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِيَّ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْتِ. 19 وَلَكِنْ لَمَّا قَاوَمَ الْيَهُودُ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَرْفَعَ دَعْوَايَ إِلَى قَيْصَرَ - لَيْسَ كَأَنَّ لِي شَيْئاً لأَشْتَكِيَ بِهِ عَلَى أُمَّتِي. 20 فَلِهَذَا السَّبَبِ طَلَبْتُكُمْ لأَرَاكُمْ وَأُكَلِّمَكُمْ لأَنِّي مِنْ أَجْلِ رَجَاءِ إِسْرَائِيلَ مُوثَقٌ بِهَذِهِ السِّلْسِلَةِ». 21 فَقَالُوا لَهُ: «نَحْنُ لَمْ نَقْبَلْ كِتَابَاتٍ فِيكَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَلاَ أَحَدٌ مِنَ الإِخْوَةِ جَاءَ فَأَخْبَرَنَا أَوْ تَكَلَّمَ عَنْكَ بِشَيْءٍ رَدِيٍّ. 22 وَلَكِنَّنَا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَسْمَعَ مِنْكَ مَاذَا تَرَى لأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَاوَمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ». (أعمال 28: 17-22).

بعد وصول بولس إلى روما بثلاثة أيام استأجر بيتاً ورتّبه، ثمّ استدعى شيوخ اليهود لهدفين: ليوضِّح لهم أنّه لم يخطئ إلى يهود أورشليم في شيء; وليبشّرهم أنّ يسوع هو المسيح. وأخبرهم بما فعله معه يهود أورشليم، وكيف اشتكوه للحكام الرومان وهو البريء فحكم الرومان ببراءته وأرادوا إطلاقه، ولكنّ يهود أورشليم لم يقبلوا إطلاق سراحه، فرفع دعواه إلى قيصر ليحامي عن حقوقه الشخصية، دون أن يقصد الشكوى ضدّهم.

وبهذا التوضيح أراد بولس أن يؤكّد لليهود أنّه لا يشكو شعبه إلى قيصر، بل هو يوضّح أمانته لدين آبائه، ويخبر شعبه برجائهم في المسيح الموعود به في النبوّات، والذي تمّت فيه جميع تلك النبوّات. وقال لهم إنّه مقيَّد بسبب إيمانه بالمسيح.

وعندما سمع يهود روما كلام بولس قالوا إنهم لم يستلموا أيّة معلومات أو شكاوى عليه من يهود أورشليم، وأظهروا ميلهم إلى سماع شيء عن المسيح الذي يقاومه اليهود ويضطهدونه في كل مكان.

 

بولس يعظ اليهود والأمم

23 فَعَيَّنُوا لَهُ يَوْماً فَجَاءَ إِلَيْهِ كَثِيرُونَ إِلَى الْمَنْزِلِ فَطَفِقَ يَشْرَحُ لَهُمْ شَاهِداً بِمَلَكُوتِ اللهِ وَمُقْنِعاً إِيَّاهُمْ مِنْ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ بِأَمْرِ يَسُوعَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ. 24 فَاقْتَنَعَ بَعْضُهُمْ بِمَا قِيلَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا. 25 فَانْصَرَفُوا وَهُمْ غَيْرُ مُتَّفِقِينَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ لَمَّا قَالَ بُولُسُ كَلِمَةً وَاحِدَةً: «إِنَّهُ حَسَناً كَلَّمَ الرُّوحُ الْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ 26 قَائِلاً: اذْهَبْ إِلَى هَذَا الشَّعْبِ وَقُلْ: سَتَسْمَعُونَ سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُونَ وَسَتَنْظُرُونَ نَظَراً وَلاَ تُبْصِرُونَ. 27 لأَنَّ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ قَدْ غَلُظَ وَبِآذَانِهِمْ سَمِعُوا ثَقِيلاً وَأَعْيُنُهُمْ أَغْمَضُوهَا. لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِأَعْيُنِهِمْ وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. 28 فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَنَّ خَلاَصَ اللهِ قَدْ أُرْسِلَ إِلَى الأُمَمِ وَهُمْ سَيَسْمَعُونَ». 29 وَلَمَّا قَالَ هَذَا مَضَى الْيَهُودُ وَلَهُمْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

30 وَأَقَامَ بُولُسُ سَنَتَينِ كَامِلَتَينِ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ 31 كَارِزاً بِمَلَكُوتِ اللهِ وَمُعَلِّماً بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ بِلاَ مَانِعٍ (أعمال 28: 23-31).

عيَّن اليهود يوماً يسمعون فيه بولس يتكلّم عن المسيح، وجاء عدد كبير منهم إلى البيت الذي استأجره بولس، فشرح لهم من الصباح إلى المساء عن ملكوت الله الذي هو مُلك المسيح الروحي الذي أنبأ به الأنبياء، وأقنعهم أنّ يسوع الناصري هو المسيح الموعود به، وهو الذي ينتظرونه، وطلب منهم أن يقبلوه ملكاً وكاهناً ومخلِّصاً.

وسمع بولس أسئلتهم وجاوب عليها في صبرٍ كاملٍ ورغبة أكيدة في إقناعهم، فاقتنع البعض منهم وآمن بالمسيح المخلِّص، بينما رفض البعض الآخر أن يؤمن. فانصرفوا غير متّفقين، فتحقّقت فيهم نبوّة إشعياء عندما أمره الرب: «اٰذْهَبْ وَقُلْ لِهٰذَا اٰلشَّعْبِ: اٰسْمَعُوا سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَاراً وَلاَ تَعْرِفُوا. غَلِّظْ قَلْبَ هٰذَا اٰلشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاٰطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمْ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجِعَ فَيُشْفَى» (إشعياء 6: 9، 10).

بقي الرسول بولس في روما سنتين (هما سنتا 61و62 للميلاد) في البيت الذي استأجره، وكان يبشّر باسم المسيح. لكن لم يكن يُسمح له بترك البيت وكان دائما تحت حراسة جنديّ. وكان طول تلك المدة ينتظر موعد مثوله أمام نيرون القيصر الروماني. وكان يبشّر باسم المسيح بكل مجاهرة، كما كان يرسل مبشّرين إلى جهات مختلفة. ومن سجنه كتب رسائل إلى الكنائس التي أسّسها في فيلبّي وكولوسي وأفسس، كما أرسل رسالة إلى فليمون، وبذلك جعل روما مركزاً لنشر نور الإنجيل بين الأمم. ومع أنّه كان أسيراً بلا مال ولا جيوش، لكنّ المسيح ساعده ليؤسّس مملكة روحية أعظم من كل ممالك العالم.

لم يذكر لوقا الطبيب كاتب سفر الأعمال شيئاً عن محاكمة بولس أمام قيصر، لأنّ لوقا اهتمّ بأخبار تأسيس الكنيسة المسيحية بين اليهود والأمم، وأثبت في هذا السفر قول المسيح لتلاميذه: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ اٰلرُّوحُ اٰلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ اٰلْيَهُودِيَّةِ وَاٰلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى اٰلأَرْضِ».

ومن رسائل بولس الرسول نعلم أنه بعد سنتي السجن، وقف للمحاكمة أمام نيرون فحكم ببراءته وأطلق سراحه، فزار أسيّا وبلاد اليونان (فيلبّي 1: 25 وفليمون 22 و1تيموثاوس 1: 3).

ويقول التقليد الكنسي إنّه قُبض على بولس مرة أخرى وسُجن في روما، وتركه الجميع ما عدا لوقا، ثمّ مات شهيداً في صيف عام 68 للميلاد.

يلاحظ قارئ سفر الأعمال أنّ الوحي لم يضع خاتمة للسفر، بل ترك نهايته مفتوحة، لأنّ الروح القدس يريد من كل مؤمن أن يشهد في دائرته الأقرب (أورشليم) ودائرته القريبة (اليهودية والسامرة) ودائرته البعيدة (إلى أقصى الأرض). ويضيف الرب إلى أعمال الرسل الأوّلين أعمال رسل المسيح في كل العصور والأجيال حتى مجيئه ثانيةً.