الرئيسية كتب للقراءة

الفصل الثالث عشر: إيماني بملائكة الله

من هم الملائكة؟ وهل هم حقا موجودون؟وإذا وجودوا فأين هم؟ وما مسكنهم وطبيعتهم وهيئتهم وقوتهم وصفاتهم ونظمهم وخدماتهم ورسائلهم؟ وما مدى تدخلهم في حياة الناس وأعمالهم وظروفهم وأحوالهم العامة والخاصة؟ فإذا فكر أنهم على الدوام فريقان: فريق الملائكة الأخيار، وفريق الملائكة الأشرار، فما أساس التفرقة بين الاثنين؟ ولماذا يختلفان على هذا الوضع المتباعد عن الاختلاف؟ وما اثر الاختلاف في حياة البشرية وعملها واتجاهاتها ونظمها، وهل يمكن أن يؤثر الملائكة الأشرار في البشر بمثل ما يؤثر الملائكة الأشرار. وهل يقف هذان الفريقان في موكب الحياة البشرية، كما يقف الخير والشر على الدوام في ذات المضادة والمدافع الصراع والنضال الذي ينتقل من جيل إلى جيل من عصر إلى عصر؟

هذه أسئلة قد تثار وغيرها، لا من قبل الفضول الفكري أو المتاع الذهني، بل لان لها علاقة أساسية جوهرية مباشرة بالتاريخ البشري كله، إذ أن هذا التاريخ في صراعه المتلاطم في حاجة أن يكشف عن الأسباب الحقيقية العميقة للنزاع بين الخير والشر، وكيف السبيل إلى غلبة الخير والحق والعدالة والفضيلة على الشر والبطل والظلم والرزيلة؟ وقد يجد أخر الأمر إن الملائكة والشياطين دورا أساسيا لا يحسن به أن يتجاهله أو يضعه في مكان متأخر عند بحث القضية الإنسانية كلها.. ومع أن العقل البشري يمكنه أن يكشف بعض الطريق إلى الملائكة أو الأشرار على حد سواء، إلا انه من الواضح إننا لا نستطيع السير الطويل بأكمله من غير مساعدة أو مساندة الوحي والكتاب المقدس، إذ انه هو الذي يلقي الضوء الكامل على ما وراء الطبيعة وما يتعلق بالكائنات الروحية وغير الهيولية والمادية، ومن ثم يمكننا متابعة هذه الحقائق:

الملائكة ووجودهم

هل الملائكة موجودون؟ وهل يمكن أن يقبل العقل وجودهم دون أن يكون هناك برهان حسي على هذا الوجود؟ وما هي الأدلة التي يستند إليها المؤمنون بوجودهم؟

من المسلم به أن هذا الكون ممتلئ بظاهرة التدرج، وانه إذا وجد فيه الجماد والنبات والتنوع الطبقي في الكائنات ذات الأنفس الحية التي تبدأ من الحيوانات الدنيا حتى الإنسان على الأرض، فانه لا يمكن استساغة القول بان الإنسان هو أخر أو ختام التدرج الطبيعي في الكون، وانه لا يمكن أن تكون هناك طبقات أخرى مخلوقة غير الوجود غيره، ومن ثم رأينا الكثيرين يسلمون من الوجهة العقلية الخالصة بوجود طبقات أخري يرجحون أنها اعلي من طبقة الإنسان، أخذا بفكرة التدرج عينها، فإذا أضيف إلى هذا إن ظاهرة الخير أو الشر كثيرا ما لا يمكن تفسيرها عقليا من دون تصور وجود ملائكة أو شياطين يدفعون إليها دفعا.. فإذا وجد إنسان ما ماثلا – وكثيرا ما يحدث هذا - يفعل ما تعف عن فعله أقذر الحيوانات، فلابد أن هناك قوة خارج هذا الإنسان تدفعه إلى ذلك دفعا.

فإذا انتقلنا من العقل، والاختيار البشري، إلى نور الكتاب المقدس وجدنا الحقيقة في وضوح اظهر وأكمل، إذ إن الملاك في الكتاب هو في المعنى الواسع كل رسول لله يتمم رسالته ومقصده الإلهي العظيم، ولقد استعمل لهذا السبب لفظ الملاك للرسل العاديين المرسلين من الناس (اي1: 14، 1صم 11: 3، لو 7: 24، 9: 52) أو المرسلين من الله كالنبي (اش42: 19، حج1: 13، مل3: 1)، وكالكاهن ( اش42: 19) أو كراعي الكنيسة (رؤ1: 20) كما قد تشير إلى ظهور الثاني في العهد القديم" (تك22: 11، 12، 16: 7، 13،31: 11، 13، 48: 15، قض13) وغيرها من مواطن متعددة في الكتاب، على إن المعنى الأخص والضيق والمتعارف عليه للملائكة أنهم شخصيات روحانية عاقلة قوية مخلوقة، وان هذه الشخصيات موجودة قبل خلق الإنسان، إذ هي هتفت سجودا وترنما عن خلق الأرض كما جاء في محاجة الله مع أيوب "أين كنت حين أسست الأرض... عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني الله" (اي38: 4، 7). 

الملائكة وافتراقهم

ومن الواضح من القصة الكتابية أن الملائكة جميعا دخلوا بعد خلقهم امتحان ما، لا نعلم أين ومتى وكيف؟ ولكن نتيجة هذا الامتحان فصلتهم فصلا حاسما أبديا، وقسمتهم إلى ملائكة أشرار وآخرين أخيار، والبادئ إن قضاء الله، في الوقت الذي كان يتمم فيه الإرادة الإلهية الأزلية المحتومة بالنسبة للجميع أعطى الحرية التامة للملائكة ليختاروا الوضع الذين يريدون أن يكونوا فيه تماما مثل ما يفعل مع الإنسان على الدوام، وكل ما نعلمه أن الملائكة الناجحين دعوا الملائكة المختارين " ( 1تي5: 21) توضيحا وتوكيدا للاختيار الأزلي المطلق الراجع إلى حكمة الله وعدالته ومسرته وجوده، كما دعوا "الملائكة القديسين" (مت25: 21) إثباتا لنجاحهم في الامتحان، وعيشتهم الممتلئة بالتقوى والقداسة والغيرة والطاعة لله.

أما الملائكة الأشرار فهم أولئك الذين فشلوا في الامتحان وسقطوا في الخطية، ويبدو إن خطيتهم كانت بصورة ما محاولة التعالي والتساوي مع الله، إذ هذا ما يبدو من القول : "وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ."(يه6)، بل هذا ما يبدو من ذات التجربة والخداع الذي استخدمه الشيطان – كملاك – ساقط، في إسقاط الجنس البشري، إذ قال ادم لحواء: " 5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ».(تك3: 5).

أما ما عدد هؤلاء أو أولئك فعلمه عند الله، فإذا  كان البعض يرجحون إن الملائكة الناجحين أكثر عددا، فإنما مرجع هذا في الواقع إلى اليقين برحمة الله وإحسانه، أكثر من الترجيح المأخوذ من الكتاب عند بعض المفسرين، لان الكتاب إذا كان قد أشار إلى أن الملائكة الإبرار موجودين في السماء بأعداد لا تحصى، إذ إن جيشا منهم أرسل لمساعدة يعقوب في الطريق: " وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَلاَقَاهُ مَلاَئِكَةُ اللهِ. 2وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذْ رَآهُمْ: «هَذَا جَيْشُ اللهِ!» فَدَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «محنايم».2: 1، 2). كما إن غلام اليشع عندما فتحت عيناه فأبصر : "واد الجبل مملوء خيلا ومركبات نار حول اليشع" (2مل6: 17).وميخا ابن يملة قال: " قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. (2مل22: 9). وفي جثسيماني قال المسيح لبطرس: " 53أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟(مت26: 53).

إذا كان هذا حقا فانه من الوجهة الأخرى احتاج الأمر إلى لجئون أو فرقة تقدر بحوالي ستة آلاف شيطان لاحتلا فرد واحد، كما جاء في قصة مجنون كورة الجدريين إذ ساله المسيح ما اسمك فأجابت الشياطين فيه :"اسمي لجئون لأننا كثيرون" (مر5: 8). كما ذكر الرسول قائلا:  "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ." (اف6: 12).  مما ينبئ إن هذه الأجناد هي بأعداد هائلة مخيفة لا تكاد تعد أو تحصى أيضا.

فإذا ما ذكر بان الملائكة الإبرار منظمون وتحت رياسات متعددة كالفيالق والرتب المختلفة في تنظيم الجيوش، فان الأمر كذلك أيضا مع الملائكة الأشرار، إذ هم منظمون ومرتبون كفرق تحت أنواع مختلفة من الرياسات والرتب والسلاطين!

الملائكة الإبرار

ومادمنا بصدد الملائكة الإبرار فلابد أن نسال أولا: هل يمكن أن يكون السيرافيم والكاروبيم المذكرون في الكتاب المقدس من بين هؤلاء الملائكة!؟ أم أن هناك فرقا بين هؤلاء وأولئك؟ وإذا صح إن هناك هذه الفرق، فهل الكاروبيم والسرافيم أسماء لمسميات واحدة أم لمسميات مختلفة؟.

لقد اختلف كثيرا حول هذه الأسئلة، ويكفي للتدليل على هذا الاختلاف إن الكاروبيم المرموز إليه في الكتاب بالخلائق الحية دو الوجوه الأربعة، وجه الإنسان والأسد والثور والنسر، فقد فسر أمرها تفسيرات متعددة، فهي في  نظر البعض.

1-     إعلان عن الحكمة الإلهية والقوة والعلم والخليقة.

2-   وآخرون يرونها إشارة إلى الأناجيل الأربعة، فمتى يشير إلى المسيح كملك في صورة الأسد، ومرقس يشير إلى الذبيحة في صورة الثور، ولوقا يشير إلى الطبيعة البشرية في التجسد في صورة إنسان، ويوحنا إلى اللاهوت الممثل في النسر. ومن الآخذين بهذا الرأي اغسطينوس وجيروم واثناسيوس وايرانيوس وغريغوري وامبروذ وورد وثورث.

3-     وغيرهم يرونها إشارة إلى كنيسة  العهد القديم وكنيسة العهد الجديد.

4-   وهناك أخيرا من ينظر إليهم على اعتبار أنهم اعلي طبقة من طبقات الملائكة.أما السيرافيم فالرأي الراجحسواء هم كانوا ذات الكروبيم أو غيرهم أنهم طبقة من الطبقات العالية في الرتب الملائكية.وعلى إي حال فمن الواضح أن الملائكة يكونون جيشا وفرقا منظمة تخضع بعضها لبعض بحسب الترتيب الإلهي،ولكل منها اسمها الخاص عند الله،ونحن نعرفمن أسمائها على الأقل اسمين : ميخائيل رئيس الملائكة وجبرائيل الواقف قدام الله. وقد تصور البعض أن ميخائيل هو ملاك العهد أو رئيس الملائكة لا على الرب يسوع، وقد بنوا اعتقادهم على أساس أن الاسم يعني " من هو الذي يماثل الله" وقالوا أن هذا اللفظ لا يمكن أن يطلق على ملاك، ولكن الرد على ذلك يمكن أن يقال أن العبارة المنضمة في الاسم يمكن أن تكون بمثابة تساؤل لينصرف معناها إلى القول " من هو هذا الذي يمكن أن يماثل الله" حتى ولو كان رئيس الملائكة ميخائيل نفسه، إذ أن اللم منفرد في السلطان والمجد، وقد أضاف البعض إلى ذلك القول: "وَلاَ أَحَدٌ يَتَمَسَّكُ مَعِي عَلَى هَؤُلاَءِ إِلاَّ مِيخَائِيلُ رَئِيسُكُمْ."(دا10: 21). ولكن هذه العبارة لا يمكن أن تنصرف إلى مناقضة اعتبار،ميخائيل رئيس الملائكة، فالتعبير هنا يشير إلى مركز ميخائيل في حماية شعب الله، والواضح أن ميخائيل هو "واحد من الرؤساء الأولين" (دا10: 13). "الرئيس العظيم القائم لبني شعبك" (دا12:1).                "0يهوذا9).إذ يمكن أن يكون الرئيس على اعتباره انه "أول"في طبقة رؤساء الملائكة، حتى أن البعض يترجم "واحد". "أول" ولكنه لا يمكن أن يكون شخص المسيح،إذ أن المسيح هو ذات الذي "تسجد له كل ملائكة الله" (عب1: 6).

كما انه لا يمكن أن يدخل بطبيعته اللاهوتية في المقارنة بتاتا مع الملائكة حتى ولو قيل انه الأول في الرؤساء فيهم، إذ تعالى على ذلك علوا كبيرا!! كما أن مخاصمة ميخائيل لإبليس ومحاجته معه عن جسد موسى تاركا الحكم لمن له الحكم،لا يمكن أن تصدر هذه عن شخصالمسيح، إذ هو صاحب الحكم والديّان العادل، لذلك فالرأي الأصح والكتابي انه واحد من رؤساء الملائكة، والتقليد اليهودي يجعله واحد من سبعة رؤساء بينهم جبرائيل الواقف أمام الله، وعلى إي حال فان الملائكة الإبرار يخضعون لنظام رائع مجيد عظيم دقيق، وهذه أمر بديهي إذأن السماء هي المكان الأمثل والأعلى لكل النظام، وإذا كان الله قد خلق النظام مطبوعا في كل ناموس ومكان، فلابد أن ملائكة السماء هم النموذج المثالي الرائع لهذا النظام!! ومن المحقق أنهم أرواح. "أليس جميعهم أرواحا" (عب1: 14) وان كنا لا نعلم هل لهم أجساد من نوع ما روحاني، على أساس ذلك الفارق المذكور بين الجسد الحيواني والجسد الحيواني والمشار إليه فيما يتعلق بالإنسان (1كو15: 40-50) أم أنهم أرواح خالصة.. لا نعلم ولا يستطيع احد دان يجزم،وان كان إباء الكنيسة الأولى أمثال ايرانيوس واكليمندس وترتليانوس واغسطينوس يرجحونالرأي الأول، على العكس من الآراء المتأخرة في التاريخ الكنسي وهي التي تعتقد إنها أرواح من  غير أجساد.. وغير خاف أن الملائكة جميعا يرتفعون عن الجنس البشري ارتفاعا هائلا عظيما فيما يتعلق بالقوة والحكمة والعظمة والأخلاق.

فمن ناحية القوة قيل:  " باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة" (مز103: 2). "مع ملائكة قوته" (2تي1: 7)."حيث ملائكة وهو أعظم قوة وقدرة" (2بط: 2: 11). "ورأيت ملاكا قويا" (رؤ5: 2).  "ورفع ملاك واحد قوي" (رؤ18: 21) وتتضح هذه القوة عندما نعلم أن ملاكا واحد قتل في ليلة واحدة مائة وخمسة وثمانون ألفا من جيش سنحاريب (أش37: 36).أما من ناحية الحكمة فهم ولا شك بحكم طبيعتهم وحياتهم ووظائفهم أكثر حكمة وإدراكا من الإنسان، إذ لا يعقل أن يعهد الله إليهم بأدق الأعمال دون أن تكون لهم الحكمة البالغة والفهم العظيم، ومن ذات المقارنة بينهم وبين الناس، وبين ذات الله نفهم أنهم كانوا وان كانوا حمقى بالنسبة لله ولكنهم اعلي إدراك ومعرفة بالنسبة للإنسان إذ قال اليفاز التيماني: "هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً. 19فَكَمْ بِالْحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ الَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي التُّرَابِ وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ الْعُثِّ؟"(إي4: 18-19).ومن ناحية العظمة فهم أعظم ولا شك من الإنسان، وان كانت هذه العظمة إلى حين حتى يبلغ الإنسان مجده، وعندئذ يعلو في المسيح إلى لمرتبة التي تضحى فيها الملائكة خداما أمامه..

أما عن الأخلاق فحدث ولاحرج إذ هم الملائكة القديسون الغيورون الطائعون الذين عندما يمثلون في حضرة الله يمكن أن يقال عنهم: "2السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. 3وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». 4فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ وَامْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَاناً."(أش6: 2-4). فإذا كان الواحد من السيرافيم يغطي وجهه فذلك للاحترام والهيبة والطاعة،وإذا كان باثنين يطير فإنما ذلك للاستعداد  والغيرة والالتهاب في تنفيذ المشورة الإلهية،وإذا كان هتافهم يتحدث عن شيء فإنما يتحدث عن الولاء المطلق والغيرة الكلية.

على انه من الخطى البين أن يؤخذ الإنسان ببريق هذه القوة أو الحكمة أو العظمة أو الأخلاق فيعطي من المركز ما لا يجد بهم أن يأخذوه، وقد ظهرت بدع حاربها الرسل في تعظيم الملائكة أو عبادتهم ومهما يقل بان هذه العبارة نسبية وغير مطلقة وغير مطلقة، فان الكتاب ضدها على خط مستقيم، وهي تعد تجديفا وإهانة لمجد الله ومركزه، بل إنها تهدد خلاص الإنسان كله، إذ هي نوع من الشرك والعبادة الوثنية،الم يقل الرسول بولس بوضوح محذرا الكولوسيين من التواضع الزائف والتصاغر المجدف على مجد الله: " لا يخسركم احد الجعالة راغبا في التواضع وعبادة الملائكة" (كو3: 18).بل الم يهتف الملاك نفسه للرائي الذي اخذ من جلال المنظر وعظمة الحديث وخر ليسج له : "فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ لِلَّهِ."(رؤ9: 11).أما ما هي الأعمال التي يقوم الالأقل:في السماء وعلى الأرض،فذلك ما يمكن إدراكه إلا في حدود،وعلى القدر من الضوء الذي شاء الله أن يعلنه لنا في الكتاب.ولعلنا نستطيع أن نرى منها على الأقل :

1- العبادة والسجود لله  وإتمام مشيئته بكل رغبة وقوة ونشاط وابتهاج، ولقد قيل أن الله أرسل ملاكين إلى الأرض احدهما ليكون حاكم المدينة والأخر كناس شوارعها،لما حسد الأخير الأول، ولأدى كلاهما عمله بذات الغيرة والحماس والرغبة والوفاء والولاء لله!!.

2- إعلان رسائل الله على الأرض مهما يكن نوعها وغايتها، فقد يرسل الملاك برسالة التشجيع والتقوية لأداء الواجب كما أرسل إلى جدعون (قض16: 12)،كما قد يرسل للتوبيخ (قض2: 1) وقد يرسل أيضا بالبشارة المفرحة كما إعلان عن مجيء المعمدان وميلاد المسيح (لو1: 11، 26) فهو على إي حال قبل وبعد كل شيء رسول الله، مهمة إعلان رسالة الله للمرسل إليهم في الأرض.

 

3- على أن للملائكة دورا أهم وأعمق من مجرد الإخبار والإعلان، إذ يرسل الله للعناية بالمؤمنين ورعايتهم وحراستهم وإنقاذهم، فقد قيل، : "ملاك الرب حال وينجيهم" (مز34: 7)."11لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ. 12عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِم."َبحجر رجلك، على الاسد والصل تطأ، والثعبان تدوس." (مز9111-13)."اُنْظُرُوا لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ."(مت18: 10). "53أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟"(مت26: 53). وقد تدخلت الملائكة في إنقاذ أخيه في محنايم  " (تك32: 1-2) وأنقذت شعب الله في الخروج والاستقرار في ارضالموعد" (خر14: 19، 32: 20-23) وحرست اليشع  وغلامه (2مل6: 16-17) وجاء الملاك لحراسة دانيال في جب الأسود (6: 22)..

والسؤال القائم هو، هل لكل مؤمن ملاك حارس خاص؟.ويعتقد البعض هذا استنادا إلى قول المسيح عن الملائكة الصغار، والمعتقد اليهودي الشائع الذي ظهر،ف قول المؤمنين عندما خرج بطرس من السجن وذهب إلى بيت أم يوحنا مرقس واخذ يطرق الباب وسمعته رودا الجارية: "14فَلَمَّا عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لَمْ تَفْتَحِ الْبَابَ مِنَ الْفَرَحِ بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِلٍ وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ. 15فَقَالُوا لَهَا: «أَنْتِ تَهْذِينَ!». وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ تُؤَكِّدُ أَنَّ هَكَذَا هُوَ. فَقَالُوا: «إِنَّهُ مَلاَكُهُ!». (أع12:14-16). ولكن العبارتين لا تقطعان بالأمر،أولا: لان عبارة المسيح جاءت في صياغة الجمع وليس ما يمنع أن يكون ملاك أو أكثر لرعاية صغار المؤمنين، كما أن العبارة الواردة عن ملاك بطرس كانت تسجل المعتقد اليهودي أكثر من الجزم بان لكل مؤمن حارسا خاصا، والمعتقد أن الله قد يرسل حارسا أو  أكثر كما تشاء مسرته لكل مؤمن متضايق أو منكوب أو محزون أو ألمت به ملمة من ملمات الحياة!وسواء أكان للمؤمن ملاك حار خاص أو  أكثر من ملاك، فان الأمر يتحدث عن مدى رعاية الله العجيبة التي تحيط بنا، ندري أو لا ندري على حد سواء،وقد حرص الكتاب أن يبقي دور الملائكة في العناية والرعاية دورا خفيا غير ملحوظ في حياتنا حتى لا نغفل عن الحقيقة العظمى، أنهم ما هم – أفراد وجماعات – إلا خدام الله، أرسلهم الله لغاية معينة محددة، والمجد لا ينبغي أن يعطى لشخص الخادم بل لله الذي أرسله:

4- خدمة الخلاص.. والخدمة الواضحة للملائكة على الأرض هي خدمة الخلاص، وفي ذلك شهرتهم العميقة الكبرى: "الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، 11 بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا. 12 الَّذِينَ أُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لَنَا كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا أَنْتُمُ الآنَ بِوَاسِطَةِ الَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُرْسَلِ مِنَ السَّمَاءِ. الَّتِي تَشْتَهِي الْمَلاَئِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا."(1بط1: 10-12). كما انه10).لذين هتفوا بمجيء المخلص على الأرض في أغنيتهم أمام الرعاة،وهم الذين يشاركون بغبطة توبة التائب كما قال السيد المسيح : "10هَكَذَا أَقُولُ لَكُمْ يَكُونُ فَرَحٌ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ».(لو15: 10)..وهم الذين أعطيت الشريعة بخدمتهم (أع7: 53)، (عب2: 2) ويحضرون اجتماعات العبادة، ومن ثم قال الرسول بوجوب الاحتشام والاحتراف في الصلاة: "10لِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ."(1كو11: 10). وهم أخيرا الذين يشتركون في المعركة الكبر بين الخير والشر وبين المسيح والشيطان، إذ أنهم يحاربون التنين وملائكته (رؤ12: 7).. ما أكثر ما يحيطنا الله بالملائكة ونحن لا ندري!!..

الملائكة الأشرار

أما الملائكة الأشرار فهم ذلك الفريق الذي هوى وسقط من الملائكة كما أشرنا آنفا فاحتفظوا بطبيعتهم من حيث القوة والمقدرة والفهم،ولكن هذه الطبيعة  إذا سقط صاحبها تحولت جميعا إلى الشر وخدمته،ورئيس الملائكة الأشرار إبليس،ومعنى الاسم المجرب أو المشتكي أو المخادع أو القاذف وله اسم الشيطان ومعناه المضاد أو المخاصم أو المقاوم أو الكامن، وقد أطلق عليه بعلزبول وهو في الأصل اله عقرون الإله الأعظم عند الفلسطينيين (2مل2: 1).ودعي الشرير (مت4: 11)،وبليعال (2كو6: 15)،ورئيس هذا العالم  (يو12: 31) ورئيس سلطان الهواء (أف2: 2)،واله هذا العالم (2كو 4: 4)،وقتال الناس وكذاب وأبو  الكذاب (يو8: 44)،وأسد زائر (1بط5: 8)،والحية (2كو11: 3)،والحية القديمة (رؤ12: 9) والتنين العظيم (رؤ12: 3، 9).ون هذه الألقاب وما جاء في الكتاب من أعمال الشيطان وغدره وتأثيره وضحاياه تتضح لنا عدةحقائق.

1- إن قوة الشيطان المادية هائلة ومخيفة، وتظهر هذه القوة في انه يستطيع أن يعصف ويحطم ويخرب كما  ترك بيت أيوب حطاما ركاما، وكما يترك في أجساد الناس من أمراض و اوصاب وجنون وتشوهات!. ومن اللازم أن نوضح أن تأثيره هنا كأي تأثير أخر،لا يمكن أن يتم إلا في داخل نطاق الحدود والأوامر النهائية،إذ لا يمكن أن يأخذ قلامة ظفر من غير إذن الله!. وهذا واضح من قصة أيوب، كما هو واضح في قصص المجانين الكثيرة الذين شفاهم المسيح، وقصة مجنون كورة الجدريين الذي تركته الشياطين ليستقروا في الخنازير ويصرعوها،ولكن بأمر المسيحوسلطانه،وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى القول بان الكثير من الأعمال الشيطانية التي تبين فيها القوة المادية المعجزية لا تظهر في كل عصور التاريخ بقوة واحدة،بل أن هذه الأعمال تظهر على وجه خاص عندما يريد الله أن يتمجد في إثبات الحق الإلهي أو الدين المعلن، فيسمح الله للشياطين أن يفعلوا بقوة وسلطان ما يتغلب هو عليه بقوته وكلمته الآمرة، كما سمح للعرافين أن يفعلوا أيام موسى حتى ينطقوا هم بأنفسهم عندما يرون معجزات الله الأقوى والأعظم بأن هذه أصبع الله،وكما سمح بأن يظهر فعل الشيطان في أجسا الناس وفي أيام المسيح وفي العصر الرسولي لكي يظهر عمله وقوته الخارقة في شخص المسيح وفي أتباعه ورسله في إخراج الشياطين والانتصار عليها!!

2- إن قوة الشيطان المعنوية وتأثيره في عقول الناس وأرواحهم ارهب وأروع،والتاريخ البشري هو المسرح الدامي لنواحيه القاسية المروعة!وعندما صنع الله جهنملم يصنعها للبشر بل صنعها لإبليس وملائكته، وكل من سيدخل إليها من البشر إنما سيكون بفعل ذلك القتال للناس الذي من البدء يخطئ،فهو وراء كل دم وحرب وعار وقسوة وخزي وغدر وخداع ومرارة وبؤس ومرض وشقاء، من أول التاريخ البشري حتى البوق الأخير  على الأرض،وهناك أشياء ما كان من المؤمن أن ينحدر إليها الإنسان ويسقط مهما أوتي من الضعف والضعة والانحطاط ما لم يدخله الشيطان،ويظهر هذا في أتم وضوح في أن يهوذا ما كان يرتكب أبشع خيانة في التاريخ دون أن يقال عنه : "وبعد اللقمة دخله الشيطان" (يو13: 27).

3-إن من صفات الشيطان وأعماله ما يستنفد كل قدرة وطاقة عند الإنسان!فهو الذي يورث الفوضى في كل مكان،ومع ذلك فهو في أعماله منظم غاية التنظيم بفرقه وجيوشه، وما لهذه الفرق والجيوش من رؤساء وأتباع وهو الذي يصنع كل انقسام، ومع ذلك فهو لا ينقسم على ذاته، ولا يمكن أن يحارب الشيطان شيطانا أخر. ولو تعلم المؤمنون من عدوهم هذه الحقيقة لما حارب بعضهم بعضا، ولما انقسموا إلى مذاهب وطوائف وشيع لا حد لها أو حصر، ولما ابغض الأبيض الأسود، أو الغربي الشرقي..

كما أن من صفات الشيطان أيضا العناد والمثابرة فهو لا يكل ولا يمل ولا ييأس،وحتى في أقسى المعاركوأدناها إلى اليأس والقنوط لا يمكن أن يتراجع أو يتردد أو يتخاذل،ولعل هذا نراه بكل وضوح في صراعه مع المسيح، إذ أنه بعد أن استنفذ تجاربه معه في البرية والهيكل وفوق الجبل، فارقه إلى حين وعاد له بهذا الأسلوب أو ذاك،وقاتله القتال المرير،وهو يعلم انه يدخل أقسى المعارك على الإطلاق، لكنه لا ييأس أو يفشل!! ولو ثابر المؤمنون في القتال والدفاع عن ملكوت المسيح مثل أو بعض هذه المثابرة لغزو الأرض قاطبة لسيدهم وملكهم العظيم!!

كما أن هناك صفة أخرى عنده يتسلح بها في الحرب كثيرا إلا وهي الاختفاء فهو الذي يزرع في البشر كلتعال وكبرياء،ويقضي على الكثيرين بإثارة الذات والاعتداد والغرور، ولكنه يحاول دائما أن يقنع الناس بأنه لا يوجد شيء اسمه شيطان على الإطلاق،ولو أدى الناس رسالتهم بهذا الاختفاء والتنكر لتغير وجه الأرض كثيرا!!

كما أن خداعه وغدره لا يمكن تصورهما،وفي قصة عربيةقديمة قيل أن الشيطان جاء لرجل وقال له : أنت على وشك الموت،وأنا استطيع أن أنقذك من الموت بواحد من ثلاث طرق، أما أن تقتل خادمك،أو تضرب زوجتك، أو تشرب هذه الخمر. قال الرجل: دعني أفكر: أما أن اقتل خادمي فهذا مستحيل،وان اضرب زوجتي فهذا مضحك : اذاً سأشرب الخمر... وعندما شرب الخمر سكر وبدا يضرب زوجته،وإذ حاول الخادم أن يدافع عنها  قتله!1.. ولا ننسى أن نذكر أيضا يقظته وسهره،إذ انه لا يعقل على الإطلاق في تتبع كل بشري في الليل والنهار وفي الصحو والنوم وفي العزلة والضجيج،وفي الثانية التي يتخلى فيها الله عن إنسان،في هذه الثانية بالذات يستلمه الشيطان، وهذا يفسر لنا معنى تقسي قلب فرعون إذ أن الكتاب ينسبه مرة إلى عمل الله ومرة ينسبه إلى الإرادة الحرة لفرعون، وفي الواقع أن الله إذ يترك إنسانا أو قلبا يستولي عليه الشيطان في الحال. كما يمكن على هذا الأساس فهم إحصاء الإسرائيليين الذي أمر به داود، إذ ذكر مرة انه نتيجة غضب الله على إسرائيل،وفي مرة أخرى عمل الشيطان،وفي الواقع أن التعبيرين يلحق احدهما في الحال بالأخر، إذ ليس هناك مسافة أو قدر من الزمن بين الاثنين، فعندما يتخلى الله عن إنسان أول عمل يحل الشيطان ويأتي في الوقت نفسه،في الحال، إذ ليس هناك أيضا فراغ في الحياة الروحية كما في المادة سواء بسواء!. هذه وغيرها من الصفات الشيطانية الرهيبة ترينا مدى شناعة هذا العدو وقسوته ورهبته.

4- إن الخلاص من الشيطان لا يمكن أن يتم إلا بالاستناد إلى من هو اقوي منه،وقد بين المسيح انه جاء إلى الأرض لينقض أعمال إبليس، وانه هو الذي يقاوم بأساليب متعددة في الخفاء والعلانية أعمال الشيطان، وان المعركة على الدوام محتدمة ولا تهدا حتى يسقط التنين وملائكته وحتى يطرح في بجيرة النار المتقدة ليصعد عذابه إلى الأبد. ومن جميل الرعاية الإلهية أن نرى شخص الله خلف المعركة القائمة بين أيوب والشيطان!!.. كما أن العناية الخفية هي بعينها التي قالت لبطرس الغافل عن التجربة المقبلة عليه وعلى زملائه : "31وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ سِمْعَانُ هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! 32وَلَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ».(لو22: 31، 32).

حقا إن لكل مؤمن أن يقول في كل معركة ينتصر فيها على الشيطان: " حقا أن الرب في هذا المكان وأنا لا اعلم". وفي الواقع أن حلم البشرية الأكبر وحنينها الطاغي وفردوسها المنتظر،كل هذه مرصودة بالقضاء على هذا العدو الأكبر للجنس البشري فمن لنا بمن يغني : "7وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ. وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ 8وَلَمْ يَقْوُوا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ. 9فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ - طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ. 10وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً قَائِلاً فِي السَّمَاءِ: «الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلَهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ، لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلَهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً. 11وهما غَلَبُوهُ بِدَمِ الْحَمَلِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ."(رؤ12: 7-11)."3وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهاً لَهُمْ. 4وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ». 5وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً». وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ، فأن هَذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ».(رؤ21: 3-5).