الصلاة في فكر كالفن

يطرح كالفن السؤال التقليدي: "كيف نصلي؟ وما هي القواعد-إن صح هذا الإسم- التي ينبغي أن نتبعها في صلاتنا." وللإجابة على هذا السؤال يضع أربع نصائح فيما يتعلق بكيفية الصلاة. وهذه هي: (1) يجب أن نصلي بالروح والذهن (2) يجب أن نعترف بعدم أهليتنا أمام الله، وأن نطلب منه -تبارك اسمه- وبكل حماس ما نحتاج إليه (3) يجب أن نقف

بكل تواضع أمام الله—تعالى اسمه (4) يجب أن نثق أن الله يستجيب الصلاة.

الصلاة بالروح والذهن

يعلم كالفن أن أفكارنا ومشاعرنا يجب أن تتناسب مع من يأتي إلى محضر الله. وهذا الموقف يؤكد للإنسان مدى جدية أمر الصلاة، فهو يقف أمام رب كل الكون. ولهذا، يجب أن تكون أفكارنا، أثناء الصلاة، مركزة، وهكذا ينصح كالفن بأن نبعد عن أذهاننا كل ما من شأنه احداث التشتيت، والتشويش. كذلك، يؤكد على أن ما نطلبه من الله يجب أن يكون أمرًا متوازنًا؛ فلا يجب أن نجرب الله في صلاتنا، ولا أن نطلب منه—تعالى—مالم يسمح هو به! ويضع كالفن تركيزًا كبيرًا في هذا المجال على دور الروح القدس: معلمنا ومرشدنا في الصلاة. ويؤكد كالفن أن ضعف طبيعتنا البشرية، وعجز فطرتنا يقفا حائلين دون حوارنا مع الله. لذا، فإننا في شديد الحاجة لعمل الروح القدس، شفيعنا، ومرشدنا؛ فهو الذي يسدد كل نقص في طبيعتنا، وقدرتنا. ويحذر كالفن من خطورة تفسير دور الروح القدس في الصلاة. فيعلم بأن الصلاة بالروح لا تعني أن نصلي بشكل غير واع، وكأننا غافلون، غير مدركين لما يجري من حولنا. ويرى كالفن أن هذا هو التفسير الصحيح لوصية الرسول بولس بأن نصلي بالروح.

 

إدراكنا للذات والتضرع بحماس لله

مع أن كالفن يؤكد في أكثر من موقع على مدى ضعف الطبيعة البشرية، بعد السقوط في معصية الله، إلا أنه يوكد أنه في الصلاة يجب أن يتزامن اعترافنا بقيمة الذات، وادراكنا بعجزنا، وعوزنا للرب، بتفكير عميق في مدى احتياجنا لما نصلي من أجله، ومن ثم نصلي بكل حماس وحرارة طالبين من الله، إله كل عطية صالحة، أن يهبنا كل ما نصلي من أجله. وبالتالي، يرى كالفن أن الصلاة التي يقوم بها البعض "كواجب" هي صلاة ابتعدت عن المعنى الحقيقي للتقرب لله. وعلى نفس القدر، يؤكد كالفن أن تكرار الصلاة باطلاً دون التأمل في طبيعة الله، وطبيعتنا هو أمر غير صحيح. وهذان الموقفان، كما يرى كالفن، هما نموذجان للصلاة المغلوطة. وفي المجال ذاته، يؤكد كالفن أن الصلاة لا تعرف موسمًا، أو أجندة كنسية محددة. بل إن كل وقت هو وقت مناسب يقدر فيه المرء أن يرفع قلبه لله في الصلاة. ويذهب كالفن لأبعد من ذلك ليؤكد على أن الصلاة الحقيقية لابد من أن تصحبها توبة حقيقية، وأنه بدون توبة صادقة، لا معنى لصلاتنا.

 

التواضع في محضر الله

إذ يقف المرء أمام عرش الله في الصلاة، عليه أن يلقي عنه كل كبرياء، وكل مجد ذاتي، وكل بر شخصاني. وهكذا يعطي المجد—كل المجد—لله وحده. ويعطي الكتاب المقدس العديد من الأمثلة لرجال تواضعوا تحت الله في صلاتهم. منهم، مثلاً، دآنيال، داود، إشعياء، إرمياء، وغيرهم. وبالتالي فعلى الإنسان أن يطلب من الله غفران الخطايا، وهذا ما يراه كالفن على أن أهم جزء في الصلاة. وبكل تأكيد يجب أن تكون الرغبة في نوال مفغرة للخطايا رغبة صادقة، نابعة من شخص مدرك لحجم الخطية، ومعلن احتياجه الكبير لله. ويرى كالفن أن هناك نوعان من الإعتراف بالخطايا: اعتراف عام، وآخر خاص. يختص الأول طلب أن يتنازل الله بنعمته المجانية ليغفر الخطايا—وإلا صار مستحيلاً على أي شخص أن يقترب من الله. والثاني يخص الخطيئة والذنب الحاليين، ويتلازم الثاني مع طلب أن يغفر الله كل عقوبة تلزم الخطية.

 

الثقة في استجابة الصلاة

مع أن كالفن يؤكد على أن الدخول إلى محضر الله في الصلاة يجب أن يلازمه تواضع، وإدراك لمدى عظمة الله، إلا أن يؤكد على أنه من الضروري، في نفس الوقت، التمسك بأن الله يستجب للصلاة. وهكذا يرى أن الخوف الإيجابي المصحوب بالرجاء هو ما يجعل الصلاة مثمرة. وبهذا يؤكد على العلاقة الحميمة التي تربط بين الصلاة والإيمان، فلإيمان يرى الصلاة مستجابة، وبالإيمان نرى الله يعطي ما قد سألناه. وهذا تعليم إنجيلي؛ إذ يؤكد الكتاب المقدس أن من يقترب من الله يجب أن يقترب في يقين وإيمان. وحين يستجيب الله للصلاة، فهو يؤكد على صلاحه، وجوده، ومعيته. وتصير صلاتنا المستجابة جزءًا من صلوات عديدة أستجيبت رفعها قديسون في العهد القديم والعهد الجديد، ويصير هولاء ونحن شهادة على صلاح الله مع شعبه. وبالرغم من كل هذا، يؤكد كالفن أن السبب الحقيقي الأوحد الذي يستجيب الله الصلاة من أجله هو صلاحه، وعنايته، وبره.