الرئيسية مقالات في العقيدة العشاء الرباني .. عقيدة جون كالفن

العشاء الرباني .. عقيدة جون كالفن

هُنَاك اخْتِلَافٌ عَلَى مَرِّ الْعُصُور حَولَ فَهْمِ وَمُمَارسةِ الأَسْرارِ الْمُقَدَّسة، وَلَقَدْ فَكَّرْتُ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْمَقَال مِنَ اللُّغَةِ الإِنْجِلِيزِيَّة، وَالَّتي تُسَلِّطُ الضُّوء عَلَى فِكْرِ جون كَالفِن مِنْ نَحْوِ هَذَا الموضُوعِ. وَالْهَدَفُ الأَسَاسِيُّ لِتَرْجَمَةِ هَذَا الْمَقَالِ لَمْ يَكُنْ لإِثْبَاتِ صِحَّةِ أَوْ خَطَإِ عَقِيدَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَجَمِيعُنَا تَلَامِيذ فِي مَدْرسَةِ الكِتَابِ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَمْلِكُ الحقَّ الْمُطْلَقَ، وَلَكِنَّ الْهَدَفَ هُوَ أَنْ نَتَعَرَّفَ عَلَى الْفِكْرِ الْمَشْيَخِيّ مِنْ وِجْهَةِ الْمُصْلِح جون كَالفِن.

وَلِكَيْ نَعْرِفَ عَقِيدةَ جون كَالفِن مِنْ جِهَةِ الْعَشَاء الرَّبَّانِيّ يَجِب أَنْ نَتَعَرَّفَ عَلَى وِجْهَاتِ النَّظَرِ الأُخْرَى.
الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّة الرُّومَانِيَّة
طِبْقًا لإِيمانِ الكنيسة الْكَاثُولِيكِيَّة فَإِنَّ حضُورَ الْمَسِيحِ فِي سِرِّ الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ يُمْكِنُ شَرْحهُ وَتَفْسِيرهُ مِنْ خِلَالِ عَقِيدَةِ [الاسْتِحَالَةِ] transubstantiation الَّتِي تُؤْمِنُ بِهَا الكنيسةُ الْكَاثُولِيكِيَّة الرُّومَانِيَّة (وَمِثْلُهَا الكنائس الأرثُوذُكسِيَّة –الْمُتَرْجِم). وَعَقِيدَةُ [الاسْتِحَالَة] هِيَ أَنَّهُ عِنْدَمَا يُرَدِّدُ الْكَاهِنُ كَلِمَاتِ التَّكْرِيسِ لِعَنَاصِرِ الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ، فَإِنَّ الْخُبْزَ وَالْخَمْرَ يَتَحَوَّلَانِ إِلَى جَوهرِ جَسَدِ الْمَسِيحِ وَدَمِهِ، أَيْ أَنَّ الْخُبْزَ يُصْبِحُ جَسَدًا حَقِيقِيًّا، وَيُصْبِحُ الْخَمْرُ دَمًا حِقِيقِيًّا، وَلَا يَتَبَقَّى مِنَ الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ سِوَى الشَّكْل الْخَارِجِيّ فَقَطْ. كَمَا تُؤْمِنُ الكنيسةُ الْكَاثُولِيكِيَّة أَيْضًا بِأَنَّ الافْخَارِسْتِيَّا، هِيَ ذَبِيحَةٌ كَفَّارِيَّة، مُمَاثِلَة تَمَامًا لِذَبِيحَةِ الْمَسِيحِ عَلَى الصَّلِيبِ. وَأَنَّ ذَبِيحَةَ الافْخَارِسْتِيَّا تُقَدَّمُ نِيَابَةً عَنْ خَطَايَا الْأَحْيَاءِ وَأَيْضًا الْأَمْوَاتِ.
رَأْيُ الْمُصْلِحِينَ الإِنْجِيلِيِّينَ
لَقَدْ اتَّفَقَ الْمُصْلِحُونَ عَلَى رَفْضِ عَقِيدَةِ كنيسة رُومَا الْكَاثُولِيكِيَّة بشأنِ الافْخَارِسْتِيَّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَقَدْ رَفضُوا عَقِيدَةَ [الاسْتِحَالة]، وَرَفضُوا أَيْضًا فِكْرَةَ أَنَّ [الافْخَارِسْتِيَّا ذَبِيحَةٌ كَفَّارِيَّة. وَلَقَدْ كَتَبَ الْمُصْلِحُ الشَّهِير مَارتِن لُوثر فِي كِتَابِهِ [السَّبي الْبَابِلِيّ للكنيسةِ] عَام 1520 م مُهَاجِمًا كِلَا الْعَقِيدَتَيْنِ. كَمَا عَارَضَ عَقِيدَةَ الكنيسةِ الْكَاثُولِيكِيَّة أَيْضًا الْمُصْلِحُ أُولرِيش زِوينْجِلِي، وَمَعَ ذَلِكَ، وَعَلَى الرّغمِ مِنْ اتِّفَاقِ لُوثر وَزوينْجِلِي فِي رَفْضِهِمْ لِعَقِيدَةِ كنيسة رُومَا، إِلَّا إِنَّهمَا لَمْ يَتَوصَّلَا إِلى اتِّفَاقٍ بِشَأْنِ الطَّبِيعَةِ الحقيقِيَّة لِلْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ.
زِوينْجِلِي
نَادَى زِوينْجِلِي بِأَنَّ كَلَامَ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيح [هَذَا هُوَ جَسَدِي] يَجِب أَنْ يُقْرَأَ [هَذَا يُشِيرُ إِلَى جَسَدِي]. وَقَالَ: «إِنَّ الْعَشَاءَ الرَّبَّانِيِّ هُوَ تِذْكَارٌ رَمْزِيٌّ، وَإِنَّهُ مَرَاسِيم تَمْهِيدِيَّة فِيهَا يَتَعَهَّدُ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَسِيحِيٌّ، وَيُعْلِنُ أَنَّهُ تَمَّ التَّصَالُح بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ مِنْ خِلَالِ دَمِ الْمَسِيحِ الْمَسْفُوك». وَلَقَدْ رَفَضَ مَارتن لُوثر بِإِصْرَارٍ رَأْي زِوينْجِلِي، قَائِلًا: «إِنَّ كَلِمَاتِ الرَّبّ يَسُوع الْمَسِيح [هَذَا هُوَ جَسَدِي] يَجِب أَنْ تُؤْخَذَ بِمَعْنَاهَا الْحَرْفِيِّ الْوَاضِح».

 

مَارتِن لُوثر
يَقُولُ مَارتِن لُوثر: «إِنَّهُ بِالرّغمِ مِنْ أَنَّ تَفْسِير كنيسة رُومَا لِحُضُورِ الْمَسِيحِ فِي الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ خَطَأٌ، إِلَّا إِنَّ حَقِيقةَ حضُورِ الْمَسِيحِ فِي الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ صِحِيحَةٌ»، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ تَفْسِيرًا مُخْتَلِفًا لِحُضُورِ الْمَسِيح. وَمَعَ ذَلِكَ وَمِنْ أَجْلِ فَهْمِ وِجْهَةَ نَظَرِهِ، لَابُدَّ مِنْ شَرْحٍ مُوجَزٍ لِبَعْضِ الْمُصْطَلَحَاتِ اللَّاهُوتِيَّة الْغَامِضة نَوْعًا مَا. فَلَقَدْ مَيّزَ عُلَمَاءُ اللَّاهوت فِي الْقُرُونِ الوسطى بَيْنَ مُخْتَلِفِ أَنْواع الوجُودِ، أَوْ سُبُلِ الْحُضُورِ. فَكَانَ الْحُضُورُ الْمَحَلِّيّ local presence ، وَهُوَ الْمُصْطَلَحُ الَّذِي يَصِفُ الطَّرِيقةَ الَّتِي تُوجَدُ بِهَا الأَشْيَاءُ الْمَادِيَّة الْمَحْدُودة فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ. وَالْحُضُورُ الرُّوحِيُّ Spiritual presence، وَهُوَ الْمُصْطَلحُ الَّذِي يَصِفُ وجُودَ الْكَائِنَاتِ الرُّوحِيَّة (مِثْل الْمَلَائِكَةِ، وَالنُّفُوس، أَوْ الله). وَلَأَنَّ هَذَا الْمُصْطَلح غَامِضٌ إِلَى حَدٍّ مَا، فَقَدْ اُسْتُخْدِمَتْ مُصْطَلَحَاتٍ أُخْرَى مِنْ أَجْلِ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ تَحْدِيدًا. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَال اسْتُخْدِم مُصْطَلح Illocal presence (الوجُود غَيْر الْمُرْتَبِط بِمَكَانٍ) لِوصْفِ طَرِيقَة وجُودِ أَوْ حُضُورِ كَائِنَاتٍ رُوحِيَّة مُحَدَّدة (مِثْلَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّة أَوْ الْمَلَائِكَةِ)، فِي حِين وَصَفَ مُصْطَلَحُ repletive presence  (الوجُود الْكُلِّيّ) الطَّرِيقَةَ الَّتي يُوجَدُ بِهَا كَائِنٌ رُوحِيٌّ غَيْر مَحْدُودٍ وَلَا حَصْرَ لَهُ، وَهُوَ اللهُ.
جَادَلَ زِوينْجِلِي بِأَنَّ الْوَسِيلَةَ الْوَحِيدةَ لِلْوجُودِ السَّلِيم لِجِسْمِ الْمَسِيحِ الإِنْسَانِيِّ أَوْ الْبَشَرِيّ هُوَ [الْوجُودُ الْمَحَلِّيّ]؛ لِذَلِكَ، وِفْقًا لِزِوينْجِلِي فَإِنَّ جَسَدَ الْمَسِيحِ مَوجُودٌ مَحَلِيًّا فِي السَّمَاءِ وَلَيْسَ فِي أَيِّ مَكَانٍ آخر حَتَّى مَجِيئهِ الثَّانِي. رَفَضَ لُوثر رَأْيَ زِوينْجِلِي، وَقَالَ: إِنَّ وَسَائِل أُخْرَى لِلْحُضُورِ مُنَاسِبَةٌ لِجِسْمِ الْمَسِيحِ الإِنْسَان، عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيدِ مُصْطَلح Illocal presence، وَأَنَّ جَسَدَ الْمَسِيحِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوجُودًا بِطَرِيقَةِ Illocal presence. وِفْقًا للوثر، فَالْمَسِيحُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوجُودًا فِي خُبْزِ الْعَشَاءِ الرَّبَّاِنيِّ». فِي اعْتِرَافهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ (1528 م) يَقُولُ لُوثر: «إِنَّ هُنَاك [اتِّحَادٌ سِرِّيٌّ مُقَدَّسٌ] بَيْنَ جَوهَرِ جَسَدِ الْمَسِيحِ وَالْخُبْزِ؛ مِمَّا أَدَّى إِلَى وجُودِ مَادَة جَدِيدة وَفَرِيدة مِنْ نَوعِهَا.» يُشِيرُ إِليهَا لُوثر بِـ fleischbrot  (اللَّحم الْخُبْز) وَبِالتَّالي، وِفْقًا للُوثر فَإِنَّ جِسْمَ الْمَسِيحِ الإِنْسَان مَوجُودٌ فِي الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ فِعْلِيًّا وَبِشَكْلٍ خَارِقٍ لِلطَّبِيعَةِ، وَهُوَ الْوجُود الـ Illocal presence.
جون كَالفِن
أَوَّلُ مُسَاهَمَةٍ كَبِيرةٍ لِكَالفِن فِي هَذَا الموضُوعِ ظَهَرَتْ فِي طَبْعَةِ عَام 1536 م مِنْ مُؤَلَّفِهِ الشَّهِير [الْأَسَاسِيَّات]. وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْوَقْت رَسَم حُدُودِ الْمُجَادَلَة. وَقَدْ تَابَعَ جون كَالفِن فِي شَرْحِ وَتَوضِيحِ عَقِيدَةِ الْعَشَاء الرَّبَّانِيِّ تَدْرِيجِيًّا خِلَال الْعَقْدَيْنِ التَّالِيَّينِ. وَلَقَدْ تَأَثَّرَتْ عَقِيدَةُ جون كَالفِن فِي الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ كَثِيرًا بِمَارتِن لُوثر، وَأَيْضًا سَاهَمَ غَيْرهُ فِي تَشْكِيلِ نَظْرتهِ لِهَذَا الموضُوع مِنْهُمْ الْقِدِّيس أُغسْطِينُوس وَآخرون.
سَارَ جون كَالفِن عَلَى مِنْوَالِ الْقِدِّيس أُغسْطِينُوس فِي تَعْرِيفِ الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ عَلَى أَنَّهُ [إِشَارَةٌ مَرْئِيَّةٌ لِشَيْءٍ سِرِّيٍّ]، أَوْ تَعْرِيفهِ عَلَى أَنَّهُ [كَلِمَةُ اللهِ الْمَرْئِيَّة]. الأَسْرَارُ بِالنِّسْبَةِ لِكَالفِن مُرْتَبِطَةٌ بِالْكَلِمَةِ، فَالْأَسْرَارُ هِيَ خَتْمُ الْوعُودِ الْمَوجُودة فِي الْكَلِمَةِ، وَبِالتَّحْدِيدِ فِيمَا يَتَعَلّقُ بِالْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ فَقَدْ أُعْطِي لِيَكُونَ خَتْمًا للوعدِ بِأَنَّ أُولئكَ الَّذِين يَتَنَاولُونَ مِنْ (يَتَشَارِكُونَ فِي) الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ بِالْإِيمَانِ يُشَارِكُونَ حَقًّا فِي جَسَدِ وَدَمِ الْمَسِيحِ. وَيَشْرَحُ كَالفِن ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الاتِّحَادِ السِّرِّيِّ (الْبَاطِنِيِّ) بَيْنَ الْمُؤْمنِ وَالْمَسِيحِ، تَمَامًا مِثْلَمَا تَتَعَلَّقُ الْمَعْمُودِيَّةُ بِبِدءِ ارْتِبَاطِ الْمُؤْمِنِ السِّرِّيِّ مَعَ المسيحِ، فَالْعَشَاءُ الرَّبَّانِيّ يُقَوِّي اتِّحاد الْمُؤْمِنِ الْمُسْتَمر بِالْمَسِيحِ.
كُلُّ هَذَا يُثِيرُ سُؤالًا، وَهُوَ كَيْف فَهَمَ كَالفِن طَبِيعَةَ وجُودِ الْمَسِيحِ فِي الْعَشَاءِ؟ وِفْقًا لِكَالفِن الأَسْرَار الْمُقَدَّسة هِيَ عَلَامَاتٌ. وَيَجِب التَّمْييز بَيْنَ الْعَلَامَاتِ وَالأَشْيَاءِ الَّتِي تُشِيرُ إِليهَا بِدُونِ الْفَصْلِ بَيْنهما. وَلَقَدْ رَفَضَ كَالفِن الأَفْكَارَ الَّتِي تَقُولُ إِنَّ عَلَامَاتِ الأَسْرَارِ هِيَ مُجَرَّدُ رُمُوزٍ (مِثْل رَأْي زِوينْجِلِي مَثَلًا). وَلَكِنَّهُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ رَفَضَ الآراءَ الَّتي تَقُولُ إِنَّ الْعَلَامَاتِ تَتَحَوَّلُ فِعْلِيًّا إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُشِيرُ إِليهَا (مِثْل رَأْي كنيسة رُومَا مَثَلًا). وَيَقُولُ كَالفِن: إِنَّهُ عِنْدَمَا يَسْتَخْدِمُ الْمَسِيحُ عبارَةَ [هَذَا هُوَ جَسَدِي] فَإِنَّ اسْمَ الشَّيْء الَّذِي تَدُلُّ كَلِمَةُ [جَسَدِي] يُمْكِنُ تَطْبِيقهَا عَلَى الْعَلَامَةِ وَهِيَ (الْخُبْزُ).
وَقَالَ كالفِن مِرَارًا وَتِكْرَارًا: «إِنَّ خِلَافَهُ مَعَ الرُّوم الْكَاثُولِيك وَمَعَ لُوثر لَمْ يَكُنْ عَلَى حقيقةِ وجُودِ الْمَسِيح، وَلَكِنْ فَقَطْ عَلَى طَبِيعَةِ هَذَا الوجُودِ». وِفْقًا لِكَالفِن، جِسْم الْمَسِيحِ الْإِنْسَان مَوجُودٌ مَحَلِّيًّا فِي السَّمَاءِ لَكِنَّهُ لَا يَحْتَاج أَن يَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ لِكَيْ يَشْتَرِكَ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ، لِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُس يَقُومُ بِدَورِ الشَّرِكَةِ. وَالرُّوح الْقُدُس هُوَ رِبَاطُ اتِّحاد الْمُؤْمِنِ مَعَ الْمَسِيحِ، فَمَا يَفْعلهُ الْخَادِمُ عَلَى الْمُسْتَوى الدّنيَويّ، يَفْعلهُ الرُّوحُ الْقُدُس عَلَى الْمُسْتَوى الرُّوحِيّ. وَبِعبَارَةٍ أُخْرَى، أَولئكَ الَّذِين (يَتَنَاولُونَ) يُشَارِكُونَ فِي الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ بِالإِيمَانِ مِنْ خِلَالِ قُوَّةِ الرُّوح الْقُدُس، هُمْ أَيْضًا يَتَغَذّونَ عَلَى جَسَدِ وَدَمِ الْمَسِيحِ.
هَذَا، بِطَبِيعَةِ الْحَالِ، يَطْرَحُ السُّؤال الثَّاني بِشَأْنِ الوضع الَّذي يَشْتَرِكُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فِي جَسَدِ وَدَمِ الْمَسِيحِ. لَقَدْ جَادَلَ زِوينْجِلِي بِأَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مِنْ جَسَدِ وَدَمِ الْمَسِيحِ هُوَ بِبَسَاطَةٍ مُرَادِفٌ للإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ. لَكِن كَالفِن كَانَ لَهُ رَأْيًا مُخْتَلِفًا حَيْثُ قَالَ: «إِنَّ التَّناولَ مِنْ جَسَدِ الْمَسِيح لَيْسَ مُسَاوِيًا للإِيمانِ وَلَكِنَّهُ نَتِيجَةً للإِيمَانِ». وَغَالِبًا مَا كَانَ كَالفِن يَسْتَخْدِمُ مُصْطَلَحَ «الْأَكْل الرُّوحِيّ» لِوَصْفِ الطَّرِيقَة الَّتي يَتَنَاولُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، لَكِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى تَحْدِيدِ مَا يَعْنِيه. وَقَالَ إِنَّهُ يُؤْكِّدُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا عَلَى أَنَّ «الْأَكْلَ الرُّوحِيّ» لَا يَعْنِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَشْتَرِكُونَ فَقَطْ فِي  (أَوْ يَتَنَاولُونَ مِنْ) رُوحِ الْمَسِيحِ. «الأَكْلُ الرُّوحِيّ»، وِفْقًا لِكَالفِن، يَعْنِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالإِيمَانِ يَتَنَاولُونَ مِنْ جَسَدِ وَدَمِ الْمَسِيحِ مِنْ خِلَالِ قُوَّةِ الرُّوح الْقُدُس الَّذِي يَصُبُّ حَيَاةَ الْمَسِيحِ فِيهمْ.
كَمَا رَفَضَ كَالفِن فِكْرَةَ أَنَّنَا نَتَنَاول مِنْ جَسَدِ وَدَمِ الْمَسِيحِ بِأَفْواهِنَا. لَيْس فَقَطْ كنيسة رُومَا، وَلَكِن لُوثر وَأَتْبَاعهُ أَيْضًا، أَكَّدُوا عَقِيدةَ الْمَضْغ (وَهِي تَنَاول الطَّعَام عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ). وِفْقًا لِلُوثَرِيِّينَ، فَإِنَّ جَسَدَ الْمَسِيحِ يُؤْكَلُ عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِطَرِيقَةٍ طَبِيعِيَّة أَوْ مَادِيَّة، وَلَكِنْ بِطَرِيقَةٍ فَوْق طَبِيعِيَّة وَغَيْر مَادِيَّة. وَوِفْقًا لِلُوثَرِيِّينَ أَيْضًا فَإِنَّ كِلَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْر الْمُؤْمِنِينَ يَحْصُلُونَ عَلَى جَسَدِ الْمَسِيحِ، مَعَ الْعِلم بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْخُذُونَهُ للدَّينُونَةِ. وَلَقَدْ رَفَضَ كَالفِن ذَلِكَ وَأَصَّر عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحْصُلُونَ عَلَى جَسَدِ الْمَسِيحِ إِطْلَاقًا. وِفْقًا لِكَالفِن، جَسَد الْمَسِيحِ وَدَمه يُقَدَّمَانِ للْجَمِيعِ، وَلَكِن يَحْصُل عَليهمَا الْمُؤْمِنُونَ فَقَطْ.*
وَوِفْقًا لِكَالفِن أَيْضًا، فَالْعَشَاءُ الرَّبَّانِيّ هُوَ أَيْضًا: «رِبَاطُ الْحُبِّ»، الْهَدَفُ مِنْهُ تَولِيد الْحُبِّ الْمُتَبَادل بَيْنَ الْمُؤْمِنِين. وَهُوَ أَيْضًا لإِثَارَةِ رُوحِ الشُّكْرِ وَالامْتِنَانِ للهِ. وَلَأَنَّ الْعَشَاءَ الرَّبَّانِيّ هُوَ مَرْكَزُ الْعِبَادَةِ الْمَسِيحِيَّة، فَقَدْ قَالَ كَالفِن إِنَّهُ يَنْبَغِي مُمَارستهُ كُلَّمَا بُشِّرَ بِالْكَلِمَةِ، أَوْ «عَلَى الْأَقَلِّ مَرَّةً فِي الْأُسْبُوعِ.» وَقَالَ إِنَّ الْعَشَاءَ الرَّبَّانِيّ يَجِب أَنْ يُمَارسَ فِي بَسَاطَتِهِ الْكِتَابِيَّة، وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنْ كُلِّ الْخُرَافَاتِ. يَعْتَبِرُ كَالفِن الْعَشَاء الرَّبَّانِيّ الْهَدِية الإِلَهِيَّة الَّتِي قَدَّمهَا الْمَسِيحُ نَفْسُهُ لِشَعْبِهِ لِتَغْذِيَةِ وَتَقْوِيَةِ إِيمَانِهِمْ. عَلَى هَذَا النَّحْوِ، لَا يَنْبَغِي إِهْمَال هَذَا السَّرِّ، بَلْ الاحْتِفَال بِمُمَارستِهِ كَثِيرًا وَبِفَرحٍ.
كاتب المقال:
دُكتور كيث ماثيسون: وَهُوَ أُسْتَاذُ اللَّاهُوت النِّظَامِيّ فِي كُلِيَّةِ ريفورماشن بيبل بسانفورد، فلوريد. وَهُوَ مُؤَلِّفُ «مِنْ عَصْرٍ لِعَصْرٍ»، «وَكَشْف الأَخِيرِيَّات فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّس»، «وَمَفْهُومُ الإِصْلَاح فِي الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ الْمُقَدَّس».
مترجم المقال:
رَاعِي الْكَنِيسة الإِنْجِيلِيَّة الْعَرَبِيَّة - ريتشمُوند، فِرْجِينيا