الرئيسية كتب للقراءة

الفصل الثاني: قوانين الإيمان وجودها وأهمية تطورها

يمكن أن ننظر إلى قانون الإيمان على أنه تلخيص وتبسيط للحقائق المسيحية فى لغة تصلح للعامة، كما أنه يمثل خلاصة تفكير الخاصة والباحثين فى ضوء الحق الإلهى المعلن فى الكتاب المقدس.

بهذا المعنى تكون عظة بطرس فى بيت كرنليوس (أعمال10: 34- إلخ) هى خلاصة العقيدة التى نادى بها وقدم الحقائق الآتية:

الله لا يقبل الوجوه

في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده

المسيح هو تحقيق الكلمة المرسلة من الله لبنى إسرائيل

المسيح هو رب الكل وهو موضوع كرازة يوحنا المعمدان

المسيح بقوة الروح القدس صنع خيراً وشفى مرضى

المسيح صلب على خشبة وقتل وقام من الأموات فى اليوم الثالث

نحن شهود القيامة

هو أوصانا أن نكرز للشعب ونشهد أنه المعين دياناً للأحياء والأموات

كل من يؤمن به ينال غفران الخطايا

وكانت هذه الاعلانات هى كل ما سبق حلول الروح القدس على الحاضرين، ولم تكن هناك حاجة إلى عظة أطول.

بنفس النظرة – نظرة التلخيص – قدم الرب يسوع الناموس كله والأنبياء فو وصيتين:

“ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ».” (متى22: 37- 40)

وبالمثل عندما إبتدأ يكرز فى الجليل بعد موت يوحنا المعمدان لخص دعوته فى عبارة واحدة:

“ تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ». (متى4: 17)

وبالمثل لخص المسيحيون الأولون عقيدتهم فى عبارة واحدة تبادلوها للتحية بالقول:

“ الرب بالحقيقة قام”. والرد: “ هللويا الرب بالحقيقة قام”.

وفى الرسائل يستعمل بولس الملخص الشعرى الذى يغلب أنه كان يرنم من الشعب وصيغته “ بالإجماع عظيم هو سر التقوى” : الله ظهر فى الجسد.

تبرر فى الروح                                           تراءى لملائكة

كرز به فى الأمم                                          أومن به فى العالم

رفع فى المجد                                           (1تيموثاوس3: 15)

وإذا رجعنا إلى تاريخ الكنيسة نجد أن هناك مجامع كبرى بعضها مسكونى إجتمعت لكى تضع قانون إيمان كملخص للعقيدة المسيحية، وأيضاً كتفنيد لهرطقات ظهرت فى وقتها. ولأن هذه الهرطقات مختلفة فى مضمونها وفى توقيتها، لذلك نجد فى تاريخ الكنيسة أكثر من قانون إيمان. وسنأتى إلى ذكر بعضها وأكثرها إستعمالا.

ونرجع أهمية قوانين الإيمان فى ضوء ما مضى إلى:

بيان ما اكتسبته الكنيسة من معرفة للحق المسيحى فى عصر كتابة القانون.

كما أنه تعتبر وثائق تاريخية توضح تأثر الأدب والفكر المسيحى بالعوامل المختلفة التى تؤثر فى الكنيسة سواء من داخلها أو من خارجها، وتعكس ظروف المسيحيين وشخصية الكنيسة فى العصر الذى كتب فيه القانون. لكن الأمر الذى يحير عند مقابلة أكثر من قانون إيمان هو أن التاريخ الذى كتب فيه كل قانون، وكذلك الأحداث التى أحاطت بكتابته، غالباً ما تنسى، وتبقى القوانين وحدها، إلا أن إستمرار وجود هذه القوانين يسهل على الباحثين معرفة الحقائق أو استنتاجها والتحقق من الظروف التاريخية التى أحاطت بالكنيسة فى تلك العصور.

 قيمة قانون الإيمان تظهر فى جمع وتلخيص العقيدة والفكر المسيحى، وهذا ضرورى لتقريب فكر وسلوك الأفراد داخل الكنيسة التى تحاول أن تسير فى الاتجاه الواحد. وقوانين الإيمان غالباً ما تحدد إطاراً عاماً للفكر والسلوك للجماعة المتقاربة، وتوجد بينها درجة من التوافق، كما أنها تساعد فى تحديد هوية الفرد فى خط فكرى وسلوكى واضح بعيداً عن التخبط بين الاتجاهات المختلفة فى فهم الكتاب المقددس.

تساعد على تحديد الحق وإيضاحه للتمييز بينه وبين الهرطقات التى تدخل إلى الكنيسة أو تهاجم الفكر المسيحى بين الحين والحين، وهى بذلك تصبح وسيلة تعليم وتثبيت فى الكنيسة.

تستمد قوانين الإيمان أهميتها من إعتمادها على قوة كلمة الله ومطابقتها لها، إلا أنها لا تحمل القدسية لكلماتها، لأنها تعبير البشر عن فهمهم لكلمة الله، وبذلك فألفاظها قابلة للتغيير والتطوير لملائمة العصر أسلوباً ومعنى. فمثلاً إذا إختفت هرطقة معينة فلا لزوم لبقاء صيغة الرد عليها- لذلك فقدسية قانون الإيمان تخرج عن حدود الفهم الإنجيلى لقانون الإيمان.

 

وهنا نريد أن نضع تحذيرين هامين أمام القارئ.

أولهما : أن نضع فلا الاعتبار دائماً أن العقيدة ليست هدفاً فى  ذاتها، لكنها مجرد علامة على الطريق للوضوح وزيادة سرعة التقدم والإر شاد ضد التعثر أو التيهان، لكن لكى تكون لنا الرؤيا الحقيقية الواضحة فلا غنى عن إنارة الروح القدس الذى يعلم ويرشد إلى كل الحق، وبه نفهم الكتاب المقدس ونعرف كيف نقرن الروحيات بالروحيات.

وثانيهما: أن الذين يرفضون قيام قانون إيمان، إما بدعوى أن هذا يدعو إلى الطائفية وهم يناصرون اللاطائفية، أو بدعوى أنهم يريدون أن يكون لهم تفكيرهم الخاص، فاننا نقول إن كلا الزعمين مزعج، لأن عدم وجود عقيدة واضحة محددة يعنى أنه لا مبادئ نحيا بها، كما أن الانتظار حتى تكوين فكر شخصى خاص دون الاستفادة بدراسة وأفكار الذين سبقوا يحتاج إلى أكثر من مدة عمر واحد للوصول إليه.

وإليك أشهر القوانين المتداولة حالياً، وبيذة صغيرة عنها، وعن سر تطورها وتعددها.

أولاً – قانون الإيمان الرسولى:

ويرى كثير من الباحثين أن أصله يرجع إلى ما قبل عهد المجمع النيقوى غير أن القانون فى صورته الحالية قد اكتسب بعض الكلمات من القوانين الأخرى التى تلته وغالباً وصل إلى صورته الحالية قبل القرن السادس بقليل ونصه كالآتى:

قانون الإيمان اتلرسولى

أؤمن بالله الآب الضابط الكل

خالق السموات والأرض

وبسوع المسيح إبنه الوحيد ربنا

الذى حبل به من الروح القدس وولد من مريم العذراء

وتألم على عهد بيلاطس البنطى وصلب ومات ودفن

ونزل إلى الهاوية.

وقام أيضاً فى اليوم الثالث من بين الأموات

وصعد إلى السماء وهو جالس عن يمين الله الآب الضابط الكل

وسياأتى من هناك ليدين الأحياء والأموات

وأؤمن بالروح القدس

وبالكنيسة المقدسة الجامعة

وبشركة القديسين

وبمغفرة الخطايا

وبقيامة الأموات

وبالحياة الأبدية

آمين

ثانياً – قانون الإيمان النيقوى:

وقد وضع صورته الأصلية مجمع نيقية المسكونى عام 325 ونصه:

“ نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق كل الأشياء ما يرى وما لا يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله المولود من الآب المولود الوحيد أى من جوهر الآب اله من اله نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق مساو للآب فى الجوهر، الذى به كان كل شئ فى السماء وعلى الأرض الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل وتجسد وصار إنساناً وتألم وقام أيضاً فى اليوم الثالث وصعد إلى السماء وسيأتى من هناك ليدين الأحياء والأموات.

وبالروح القدس. أما الذين يقولون أنه كان زمان لم يوجد فيه ابن الله وأنه لم يكن له وجود قبل أن ولد وأنه خلق من العدم أو أنه من مادة أخرى أو جوهر آخر أو أن ابن الله مخلوق أو انه قابل للتغيير أو متغير فهم ملعونون من الكنيسة الجامعة الرسولية”.

ومن هذا يتضح أن المجمع ركز على الإيمان بالثالوث الأقدس والرد على بدعة أريوس الذى أنكر لاهوت المسيح.

ثالثاً- قانون الإيمان النيقوى القسطنطينى:

وهو نفس قانون الإيمان النيقوى، إلا أن مجمع القسطنطينية المنعقد عام 381 ليرد على جماعة جديدة ظهرت تنكر لاهوت الروح القدس فعدل جزئياً فى العبارة الأولى، وأضاف اثبات لاهوت الروح القدس وعمله، وترك اللعنة والحرمان فى آخر القانون، ونصه:

“ نؤمن بإله واحد. آب ضابط الكل. خالق  السماء والأرض. كل ما يرى وما لا يرى.  وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله  الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور.  إله حق من إله حق . مولود غير مخلوق.  مساو للآب فى الجموهر، الذى به كل شئ كان. الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء  وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنساناً وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى  وتألم وقبر وقام فى اليوم الثالث على ما فى الكتب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب، وأيضاً يأتى بمجد ليدين الأحياء والأموات، الذى لا فناء لملكه. 

ونؤمن بالروح القدس الرب المحى المنبثق من الآب الذى هو مع الآب والابن مسجود له وممجد. الناطق بالانبياء.

ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، ونترجى قيامة الموتى والحياة فى الدهر العتيد”.

وفى الصورة اللاتينية لهذا القانون أضيفت إلى عبارة انبثاق الروح القدس أنه من الآب والابن- وهذه قد أضافها مجمع تليدو عام 589.

رابعاً- قانون الإيمان الخلقيدونى:

وقد أجمع المجمع الخلقيدونى بحضور ستمائة وثلاثين أسقفاً على الاضافة التالية لقانون الإيمان النيقوى القسطنطينى للرد على هرطقتى افتيخوس ونسطور بالعبارة:

“ فلهذا نحن تابعون الآباء القديسين كلنا بصوت واحد نعلم البشر أن يقروا بالابن الوحيد ربنا يسوع المسيح الكامل فى اللاهوت والكامل أيضاً فى الناسوت إله حق وإنسان حق ذو نفس ناطقة وجسد جوهر واحد مع الآب بحسب لاهوته وجوهر واحد معاً بحسب ناسوته فى كل شئ مثلنا ماعدا الخطية مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته وفى هذه الأيام الأخيرة من أجلنا ومن أجل خلاصنا ولد من مريم العذراء والدة الإله بحسب ناسوته. هو مسيح واحد وابن واحد ورب واحد والمولود الوحيد كاهن بطبيعتين غير ممتزجتين ولا متغيرتين ولا منقسمتين ولا منفصلتين، والفرق بين الطبيعتين لم يتلاشى باتحادهما بل خواص كل منهما الخاصة باقية ومجتمعة فى شخص واحد وكائن واحد غير منفصل ولا منقسم إلى شخصين بل الابن الوحيد الله الكلمة الرب يسوع المسيح كما نبأت عنه الانبياء منذ البدء وكما علمنا الرب يسوع نفسه وكما سلمنا قانون إيمان الآباء القديسين”.

وهكذا نرى مرة أخرى أن قوانين الإيمان تتطور مع التاريخ لتقدم المفاهيم الأوسع وترد على الهرطقات التى تستجد.

وفى مارس 1930 راجع سنودس النيل للكنيسة الإنجيلية بمصر كتاب إقرارر الإيمان وقبله وهو مكون من أربعة وأربعين مادة فى الموضوعات الآتية مع بيان الشواهد الكتابية التى تؤيدها، وهذه المواد هى:

1- فى الإيمان بالله                              19- الخلاص

2- الإعلان الإلهى                               20- الاختيار

3- الكتاب المقدس                                   21- أقنوم الآب 

4- القصد الإلهى                                    22- أقنوم الإبن

5- الخلق                                            23- أقنوم الروح القدس 

6- العناية                                            24- الكفارة 

7- الملائكة                                           25- دعوة الإنجيل 

8- خطية الإنسان                                    26- التجديد

9- الإيمان الخلاص                                  27- الأقسام والنذور

10-- التوبه                                          28- الكنيسة

11- التبرير                                           29 - نظام الكنيسة

12 - التبنى                                            30- الخدمة

13- التقديس                                            31- شركة الكنيسة

14- الإتحاد بالمسيح                                   32  - العائلة 

15- ضمان المؤمنين                                   33- الهيئة الحاكمة 

16- اليقين                                              34- النظام الاجتماعى

17- ناموس الله                                        35-  الحالة بين الموت والقيامة

18- درس كلمة الله                                   36- مجئ المسيح ثانية

37- الصلاة                                      41- القيامة

38- التسبيح                                      42- الدينونة

39- يوم الراحة                                  43- الحياة الأبدية 

40- الفرائض المقدسة                          44 – الخدمة المسيحية والنصرة النهائية

ويمكن الرجوع إلى كتاب إقرار الإيمان لمزيد من الشرح بشأن هذه الموضوعات الحيوية اللازمة لبينان المؤمنين.