الرئيسية كتب للقراءة

الفصل الثالث: عقيدتى الإنجيلية

(1) عقيدتنا في الكتاب المقدس

الكتاب المقدس هو القانون الوحيد للإيمان والأعمال

أنت وأنا نحيا فى عالم كبير متسع، لكننا لسنا نحيا وحدنا. فحولنا الطبيعة بمظاهرها العجيبة الخلابة، وإلى جوارنا نجد أناساً مثلنا نتعامل معهم. ونحن عندما نفكر فى أسرار هذا الكون العجيب، وفى الخالق العظيم الذى أوجده نتساءل: كيف يكون هذا الإله، وما تكون صفاته، وماهى علاقته بالبشر الساكنين على الأرض؟.

وعندما نتعامل مع الناس نتعلم أن لنا حقوقاً وعلينا واجبات، وأن هناك سلوكاً مقبولا طيباً نسميه الخير، ونوعاً آخر من السلوك ندعوه شريراً، ونحن نتساءل أيضاً عما يجب أن نفعله لنكون صالحين، وعما يجب أن نتجنبه من الشرور.

ثم نرى الموت ينتزع من وسطنا أحباءنا، ويحملهم إلى عالم مجهول فنتساءل: أين يذهب الناس بعد الموت؟.

كل هذه وغيرها أسئلة تدور فى خواطرنا فنحن نحتاج إلى وسيلة تخبرنا باجابات سليمة عن حيرتنا، وترشدنا إلى أسلوب سليم مستقيم فى الحياة. أى أننا نحتاج إلى قانون أو دستور يبين لنا ما يجب أن نعتقد به وما يجب أن نعمله.

فأين نجد هذا الدستور؟.

إن أمام البشرية واحداً من طريقين: إما أن يضع الناس لأنفسهم هذا الدستور، أو أن يتوقعوا من سلطة أسمى وأحكم منهم أن تعطيهم هذا الدستور.

وقد تبين للبشر أنهم رغم قدراتهم العقلية الفائقة، ومع ذلك فهم لا يستطيعون أن يدركوا كل حقائق هذا الكون الغامض وأن محاولاتهم لا تصل بهم إلى معرفة كاملة مضمونة الصحة والصدق. وقديماً قال الفليسوف أفلاطون: “ ليست هناك وسيلة نعرف بها إرادة الآلهة إلا بنبى يعلنها لنا، فان عقل الإنسان يحتاج إلى الإنارة الإلهية لفهم ما يتعلق بالله، كما تحتاج العين إلى نور الشمس لترى الموجودات”.

لذلك فما دام الانسان عاجزاً عن معرفة الله من نفسه، فلابد أن يعلن الله نفسه للبشر الذين خلقهم. وقد أعلن الله نفسه للناس فى الطبيعة التى خلقها، وفى أعمال عنايته بالبشر، لكن هذه الاعلانات لم تكن كافية لذلك أعلن الله نفسه عن طريق الوحى، إذ كشف الحقائق اللازمة للبشر بروحه القدوس إلى جماعة من أنبيائه وقديسيه، وساقهم بالروح القدس أن يكتبوا هذا الوحى وعصمهم من الخطأ أثناء كتابته وبذلك صار لدينا “الكتاب المقدس “ وهو القانون الوحيد المعصوم للإيمان والأعمال.

 

الأدلة على صحة الكتاب المقدس

رأينا فيما سبق أن الإنسان فى حاجة إلى دستور للإيمان والأعمال، وأنه لا يستطيع أن يضع هذا الدستور لنفسه، وأن الله كلى القدرة هو الذى وضع هذا الدستور وأعلنه للبشر.

وهنا قد يتساءل البعض: ما الذى يؤكد لنا أن هذا الكتاب المقدس الذى بين أيدينا هو وحى الله المقدس الذى أعلنه للبشر؟.

والأدلة على ذلك كثيرة، لا يتسع المجال لشرحها ولكننا نوجز بعضها فيما يلى:

1- إن من كتبوا أسفار الكتاب المقدس قالوا إنهم رسل الله، وإنهم بسلطان من الله يطلبون من الناس أن يقبلوا تعليمهم إطاعة لله الذى أوحى إليهم بهذه التعاليم. وقد شهد السيد المسيح نفسه أن العهد القديم كتب بوحى من الله، واستشهد منه. كما تحدث الرسل صراحة بما يدل على اعتقادهم بسلطان تعاليمهم الإلهية، وطلبوا من الناس أن يقبلوا كلامهم لأنه كلام الله لا كلام إنسان (1تسالونيكى2: 13). وقال بولس إن ما كتبه هو وصايا الرب (1كورنثوس14: 37). كما قال إنه إن بشر أحد بانجيل آخر غير ما بشر به ولو كان ملاكاً فليكن ملعوناً (غلاطية1: 8). وقال يوحنا ما معناه أن من لا يقبل شهادته فى المسيح يجعل الله كاذباً، لأنها شهادة الله (1يوحنا5: 10).

فاذا كنا لا نصدق كلام هؤلاء الرسل، فاننا نحكم عليهم أنهم إما مجانين أو كذبة ومخادعين. وكلا الأمرين لا يمكن أن يكون، بدليل ما تبين لنا وللناس من حكمتهم وتقواهم وما صنعوه من آيات لإثبات رسالتهم.

2- إن الكتاب المقدس يتضمن حقائق سامية تكفى حاجات الطبيعة الإنسانية، وتحل ما عجزت عقول البشر عن حله من المعضلات، وهو يوافق نفوس البشر وطبيعتهم الأدبية، ولا يمكن لمثل هذه الحقائق السامية أن تكون من اختراع البشر.

3- وحدة موضوع الكتاب المقدس، فقد قام بكتابته نحو خمسين شخصاً فى أزمنة متباينة استغرقت نحو ألف وستمائة سنة، وكان هؤلاء الكتاب من بيئات وثقافات مختلفة، ولم يجتمعوا للكتابة معاً، لكننا نرى حقائق الكتاب المقدس يكمل بعضها بعضاً بكيفية لا يمكن بأى حال أن تصدق على أية مجموعة من الكتب كتبت فى أزمنة أكثر تقارباً. وهذا كله يدل على أن تلك الأسفار جميعها نشأت من عقل واحد هو عقل الله الذى أوحى بكتابتها إلى كاتبيها، فهو وحده المعلومة عنده جميع أعماله منذ الأزل.

4- ما يحتويه الكتاب من النبوات والعجائب، فان أكثر ما جاء فى العهد الجديد جاء تحقيقاً لنبوات فى العهد القديم. مما يدل على أنه كتاب الله الموحى به من الروح القدس.

5- تأثير الكتاب المقدس فى إصلاح الناس وتغيير قلوب البشر، حسب اختبار كثيرين من أفاضل الناس.

هذا فضلاً عن شهادة التاريخ والمخطوطات والحفريات والعلوم لصحة الكتاب المقدس.

 

1- شهادة غير المؤمنين للكتاب المقدس:

مع أن كثيراً من الناس لم يؤمنوا بالمسيحية فى القرون الأولى، بل قاوموها وحاربوها، لكنهم لم يتهموا المسيحيين بتغيير الكتاب المقدس أو تحريفه- وبعض الوثنين من المؤرخين ذكروا فى كتبهم كثيراً من الأخبار التى وردت فى الكتاب المقدس، واليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيحية سلموا بصحة الأخبار الواردة فى العهد الجديد، كوجود شخص اسمه يسوع المسيح- ومن هؤلاء يوسيفيوس المؤرخ اليهودى المشهور المعاصر لعهد المسيح، إذ قال فى كتابه الثامن عشر فى الفصل الثامن:”وعاش نحو هذا الوقت يسوع، إنسان عالم – إن جاز تسميته إنساناً- لأنه كان يعمل معجزات عجيبة، وانقاد إليه كثيرون من اليهود، ومن الأمم. ومع أن بيلاطس صلبه إرضاء لعلماء اليهود، إلا أن أولئك الذين أحبوه لم يتركوه إذ قالوا إنه قام من الأموات فى اليوم الثالث وظهر لهم “.

2- شهادة المخطوطات القديمة للكتاب المقدس:

معروف أن العهد القديم كتب أصلاً باللغة العبرية، والعهد الجديد كتب أصلاً باللغة اليونانية- وقد حدثت ترجمات متعددة للكتاب المقدس إلى مختلف اللغات، ويحاول علماء الكتاب أن يجدوا أقدم المخطوطات، ليصلوا إلى أصدق الروايات والحقائق- ومع كثرة هذه المخطوطات وتباعد ناسيخيها بعضهم عن بعض، فلا يوجد اختلاف جوهرى بينها مما يثبت صحة الكتاب المقدس.

وأحدث هذه المخطوطات، مخطوطات وادى قمران التى اكتشفت عام 1947 بجوار الساحل الشمالى الشرقى للبحر الميت فى فلسطين، فقد كان صبى اسمه محمد الديب يرعى أغنامه، فضل خروف فى وادى قمران، فأخذ يفتش عنه فرأى فتحة صغيرة فى جانب الجبل، فرمى فيها حجراً فسمع صوت شئ ينكسر، فدخل إلى داخل الكهف مع صديق له فوجد أوانى طويلة بداخلها مخطوطات قديمة من الجلد.

وقد أخذ العلماء هذه المخطوطات، وهى نحو أربعمائة مخطوطة فوجدوا أنها تحتوى على أجزاء من كل أسفار العهد القديم العبرانى ما عدا سفر أستير، يتراوح وقت كتابتها إلى نحو سنة 200ق.م.

وهذه المخطوطات تثبت أن النسخ التى لدينا من الكتاب المقدس حفظت بيد إلهية دون تغيير طيلة السنوات الماضية.

3- شهادة الحفريات للكتاب المقدس:

يوجد علم خاص، متسع المجال هو علم الحفريات Archeologyوقد بنى على تفتيش العلماء فى الخرائب والآثار ليكتشفوا بعض حقائق التاريخ.

وكلما تقدم هذا العلم، كلما زادت الأدلة على صحة تاريخ الكتاب المقدس. ولا مجال لسرد الكثير فى هذه الناحية ولكننا نذكر على سبيل المثال:

(أ) كمية من المخطوطات الهيروغليفية اكتشفت سنة 1780 فى بنى حسن بمحافظة المنيا تثبت هجرة العبرانيين إلى أرض مصر. فقد وجدت صورة رجال أجانب يختلفون عن المصريين فى الملابس يقفون أمام نبيل مصرى وقد كشفت الكتابة الهيروغليفية أنهم 36 شخصاً من الجنس السامى من نسل رجل اسمه ( أبيشاى).

وهو اسم مشهور من أسماء الساميين، وقد أحضروا هدايا للنبيل ومن بينها كحل لتجميل عيون زوجته.

(ب) كان بعض الناس يسخرون من قصة انقلاب سدوم وعمورة واحتراقهما مع كل مدن الدائرة والنباتات بالنار والكبريت.

لكن أحد علماء الحفريات (جان فنيجان) اكتشف عام 1951 أن جزءا كبيراً من القشرة الأرضية قد هبط فى وادى الأردن، وفى أجزاء كثيرة منه اكتشف بوضوح آثار بركان وأحجار نارية سوداء وحمم براكين على جبال الجليل... وأرجع علماء الحفريات تاريخ هذا الهبوط إلى نحو عام 1900 ق.م وأن خراب هذه المدن جاء نتيجة بركان ضخم وربما كان مصحوباً بانفجارات وبروق نتيجة احتراق الغازات واللهب...

وهكذا نرى أن الحفريات تشهد لصدق حوادث الكتاب المقدس.

4- الكتاب المقدس والعلم:

إن الكتاب المقدس ليس كتاباً علمياً، بمعنى أن الله قصد من الكتاب أن يكون رسالة روحية، لا بحثاً فى الطبيعة أو الكيمياء أو الفلك- ورغم ذلك فان الأسفار المقدسة إذا فسرت تفسيراً صحيحاً، طابقت الحقائق العلمية والطبيعية والتاريخية. فقد شهد كثير من علماء العلوم الطبيعة أنه حتى الآن لم يجدوا مناقضة بين الكتاب وحقائق علمية مثبتة بشهادات كافية. علماً بأن كتبة الأسفار المقدسة لم يكونوا من العلماء، ولم تكن العلوم الحديثة معروفة فى عصرهم.

ومما يؤيد ذلكك أن قصة الخلق وترتيب الخليقة الوارد فى الأصحاح الأول من سفر التكوين، يطابق تماماً أحدث النظريات العلمية فى تدرج الكائنات والنباتات.

أما إذا أشار البعض إلى بعض الأمور المخالفة للعلم والتاريخ، فالرد على ذلك يتلخص فيما يلى:

وجوب التمييز بين ما ظنه كتبة الكتاب، وما علموه فربما ظنوا الشمس تدور حول الأرض، ولكنهم لم يعلموا ذلك.

إنهم إستخدموا ما كان مشهوراً من الكلام بين الناس مما يلاحظ فيه موافقته للحواس بدون اعتبار موافقته للعلوم.

إن مضادة الكتاب للآراء البشرية غير المثبتة فى مواضيع طبيعية، ليست دليلاً على عدم صدقه لأن تلك الآراء يحتمل عدم صدقها فهى تحتاج إلى الإثبات.

إنه قد تختلف معانى وتعاليم الكتاب المقدس عن تفسيرنا لها. فقد نكون مخطئين فى التفسير، وربما يظهر خطؤنا فيما بعد بسبب التقدم فى المعرفة. ولكن التفسير الخطأ لا يشين الكتاب المقدس، فقد ظلت الكنيسة مدة طويلة من الزمن تفسر الكتاب فيما يتعلق بالكون حسب الآراء البطليموسية فى الفلك ثم عدلت عن ذلك وأخذت تفسره حسب الرأى الكوبرنيكى، غير أن هذا لم يؤثر فى صدق الكتاب المقدس.

قانونية أسفار الكتاب المقدس

اهتمت الكنيسة المسيحية فى عصورها الأولى بتحقيق قانونية الأسفار المقدسة، وراجعت النسخ القديمة للكتاب المقدس ، وبحثت نسبة الأسفار إلى كاتبيها، ودرست الأدلة الداخلية من محتويات السفر وأسلوبه وحوادثه، والأدلة الخارجية من شهادة آباء الكنيسة والمؤرخين والمخطوطات، إلى أن استقرت الآراء على أن أسفار الكتاب المقدس الحالية وهى ستة وستون سفراً هى الأسفار القانونية للكتاب المقدس، تسعة وثلاثون منها فى العهد القديم وسبعة وعشرون فى العهد الجيد.

وقد حاول البعض أن يضيفوا بعض الأسفار الأخرى إلى العهد القديم، وبعض الأناجيل إلى العهد الجديد، ولكن هذه الأسفار و الأناجيل لم يثبت صحة نسبتها إلى كاتبيها، واتضح أنها كتبت فى عصور متأخرة عن باقى الأسفار التى تروى نفس الأحداث، لذلك رفضتها الكنيسة. وقد أطلق عليها اسم أسفار ( الأبوكريفا) أى الأسفار “ المخفية” لأن بعضها عبارة عن رؤى تحدث عن أمور مستقبلية كانت بطبيعتها مخفية وكتبت فى أوقات محنة لتشجيع الشعب.

وأسفار أبوكريفا العهد القديم هى اسدارس الأول والمكابيين الأول والثانى وإضافات إلى سفر دانيال وهى.

 نشيد الثلاثة الفتية المقدسين وتتمة سفر دانيال.

 تاريخ سوسنة.

وتاريخ انقلاب بيل وبقية سفر أستير ورسالة إرميا وصلاة منسى وسفر باروخ وسفر طوبيا وسفر يهوديت، وسفر اسدراس الثانى وسفر حكمة سليمان وسفر حكمة يشوع بن سيراخ.

ولم تقبل الكنيسة هذه الأسفار فى العهد القديم لأن علماء اليهود لم يضعوها ضمن كتبهم القانونية، ولأن هذه الكتب نسبت إلى أناس لم يكتبوها أصلاً، ولا ترتفع إلى المستوى الروحى الذى فى الأسفار القانونية، وبعضها يحتوى على تعاليم خرافية تتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس، ومعظمها كتب بين سنة 200 قبل الميلاد و100 بعد الميلاد. وحسب عقيدة اليهود أن الإعلانات الإلهية توقفت بعد نبوة ملاخى. ومما يؤكد عدم قانونية هذه الأسفار أنها كتبت باللغة اليونانية بينما كتبت أسفار العهد القديم كلها باللغة العبرانية.

ولم يقبل الآباء المسيحيون الأولون إعتبار هذه الكتب قانونية فى العهد القديم، ومع أنهم إقتبسوا بعض الأقوال الواردة فيها إلا أنهم لم يضعوها فى نفس منزلة الكتب القانونية، وقد أجازوا قراءتها للاستنارة فقط... إلا أن مجمع ترنت (المحمع التريدنتينى)، للكنيسة الكاثوليكية فى القرن السادس عشر الميلادى قرر اعتبارها قانونية وضمها إلى أسفار العهد القديم ما عدا كتابى اسدراس وصلاة منسى. ولا يخفى على القارئ أن شهادة مجامع الكنيسة وحدها ليست كافية لإثبات قانونية هذه الأسفار خصوصاً فى تاريخ متأخر كهذا.

أما أبوكريفا العهد الجديد فتحتوى عدة كتب فيها تواريخ وأناجيل موضوعة ومصنوعة، منسوبة إلى أناس لم يكتبوها، وقد أنشأها بعض ذوى الأغراض لمآرب ذاتية أو لإثبات وجهات نظر معينة، لكن تحقق من البحث أنها لا تنتسب إلى الرسل المكلفين بالوحى المقدس، وتقل مرتبتها الروحية عن كتب العهد الجديد.

  مما سبق نستطيع أن نتبين أن الأسفار الستة والستين هى وحدها كلمة الله الموحى بها، والتى تصلح أن تكون دستوراً لإيماننا وأعمالنا.

الدستور الوحيد المعصوم

هل يوجد هناك دستور آخر معصوم من الخطأ بالاضافة إلى الكتاب المقدس؟ والجواب على ذلك كلا... فالكتاب المقدس هو القانون الوحيد المعصوم، ولا يوجد قانون غيره إلا ويكون معرضاً للخطأ، لأن الكتاب المقدس وحده هو كلمة الله الموحى بها منه.

وإذا درسنا الكتاب المقدس، نجد أن الله يوضح لنا فيه أن كلمة الله وحدها كافية لإرشاد الإنسان وتوجيهه و لا يحتاج الإنسان إلى غيرها سواء كانت تقاليد أو روايات الآباء أو قرارات مجامع الكنيسة، فان كل هذه يمكنها أن تفسر الكتاب المقدس، وتبحث عن النسخ القديمة، وتناقش المبادئ الواردة فى الكتاب، ولكن ليس لها الحق أو السلطان أن تزيد على الكتاب أو تنقص منه.

والشواهد الكتابية كثيرة لتأييد هذه الحقيقة- إن الكتاب المقدس هو القانون الوحيد المعصوم للإيمان والأعمال، والله لا يأمرنا بقبول غيره مهما كانت مصادر التعاليم الأخرى ومهما كانت قداسة معلميها من آباء الكنيسة وقديسيها، ونحن مكلفون أن نبحث الكتاب المقدس وندرسه لنرى هل تتفق تعاليم من يعلموننا مع الكتاب فنقبلها أو تختلف فنرفضها، لنكون مثل أهل بيرية الذين وصفوا بالقول إنهم” قبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا” (أعمال17: 11) – وقد قال بولس الرسول لأهل غلاطية “إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما ( ملعون)” ( غلاطية1: 8).

إن حكمة الله اقتضت أن يكتب الكتاب المقدس ولا يتناقله الناس شفاهاً بعد مدة وجيزة من الزمن، لأن هناك أخطاراً كثيرة فى التقاليد المتوارثة شفاها، فهى تتغير ويحرفها ناقلوها حسب أهوائهم. وقديماً وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين لأنهم اتخذوا لهم مجموعة من التقاليد حلت محل كلمة الله أو اتخذت مقاماً مساوياً لها- إذ قال لهم:” لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم. فان الله أوصى قائلاً أكرم أباك وأمك... وأما أنتم فتقولون من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذى تنتفع به منى. فلا يكرم أباه أو أمه. فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم” ( متى15: 3-6).

فلنؤمن إيماناً راسخاً بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله الموحى بها، ووأنه القانون الوحيد المعصوم للإيمان والأعمال. ولنرفض كل ما يتعارض مع تعليم هذا الوحى المقدس ... إلى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول، فليس لهم فجر (إشعياء8: 20).

(2) عقيدتنا في الخلاص

حقيقة الخلاص هى من أهم الحقائق التى تعنى الإنسان المسيحى، إن لم تكن أول الحقائق التى تهمه، وعقيدة الخلاص فى أبسط صورها تظهر من الحوار بين حافظ السجن فى فيلبى من ناحية وبولس وسيلا من ناحية أخرى حين سأل حافظ السجن: “ «يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟».

وتأتى الإجابة بسيطة وسريعة وعلى غير ما انتظر الرجل:

«آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». (أعمال16: 30، 31).

وهذه الإجابة على بساطتها يصعب جداً فهمها بغير اختبار الخلاص الحقيقى الذى أعده الله للإنسان بيسوع المسيح.

مفاهيم خاطئة:

هناك من يظن أن الخلاص يكون بحياة الاستقامة والسلوك الأدبى الحميد، والمحافظة على أنظمة المجتمع، وينسى هؤلاء “ أن الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد” وحتى إن حاول الفرد أن يتفادى الأخطاء الجسيمة والمتعمدة، فانه مازال يواجه بسؤال المرنم فى سفر المزامير: “ السهوات من يشعر بها؟ “ ولو كان بر الإنسان يكفى لما كان هناك حاجة لتجسد ابن الله. لقد خجل كل قادة فكرة البر الذاتى والبر الذى بالناموس عندما اجتمعوا حول الرب يسوع ينتظرون حكمه على إمرأة زانية- خجلوا جميعاً عندما قال لهم المسيح: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!». ومضى كل واحد فى طريقه لأن بر الإنسان لا يكفى أن يجعل منه باراً أمام الله (يوحنا8: 2- 11).

وهناك أيضاً من يظنون أن الخلاص بأعمال العبادة والرحمة. يحفظون السبوت والأعياد ورؤوس الشهور والطقوس، ويعشرون كل الأشياء حتى أصغر الأشياء، ويصومون يومين فى الأسبوع، ظناً منهم أن هذا هو الثمر الحقيقى الذى ينتظره الله من الإنسان المؤمن، وبناء على هذا الثمر يعطى الله المؤمن الإنتاج. وما دام الإنسان يصنع هذه الأثمار فهو مستحق للخلاص والتاج، ونفس تعليم الرب يسوع أنه ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السموات- بل أنه ليس لأحد أعمال صالحة يمكن أن يتبرر بها، ومكتوب أنه ليس بار ولا واحد (رومية3: 10) ولو كان بر الأعمال يكفى لما كان لزوم لمجئ المسيح ليكمل كل بر – كما أنه أظهر لنا أن أعمال الإنسان مهما عظمت لا تساوى شيئاً لأنها فى قمتها مجرد عمل الواجب المطلوب منا “ متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون، لأننا عملنا ما كان يجب علينا” (لوقا17: 10 ) وفى إجابة بولس وسيلا لحافظ السجن نرى أنهما لم يطلبا منه أى عمل ليكون العمل وسيلة للخلاص، بل قالا “ فقط آمن...” وهذا لا ينفى أنه عمل شيئاً بعد ذلك نحو ضيافتهما كعلامة شكر وثمر إيمان، كما أنه إعتمد هو وأهل بيته.

وجماعة ثاللثة تظن أن الخلاص إنما هو مجرد أن يقف الفرد بين الجماعة ليعلن أنه قبل المسيح مخلصاً وفادياً، وهكذا يكون قد حصل على الخلاص، وكأن الأمر كله متوقف على لحظة واحدة يعلن فيها الإنسان أنه قبل المسيح مخلصاً و فادياً، وينسى هؤلاء أيضاً أن الخلاص هو أكثر من مجرد قبول المسيح، وهو ليس للحظة، لكنه عمل يكتمل فى المجد، لأن الخلاص يشمل: 

الخلاص من الماضى بكل ما فيه للتبرير والتبنى.

ومواجهة الحاضر بكل ما فيه ليحيا حياة البر فى المسيح فى التقديس.

وضمان الحياة الأبدية للتمجيد.

ومن هنا نأتى إلى المفهوم الكتابى للخلاص:

الخلاص هو عمل الإبن لذلك “ وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». (متى1: 21).

والرب يسوع المسيح هو الذى رآه يوحنا المعمدان أنه«... حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.” (يوحنا1: 29)

وهو الحمل لأنه “ بدون سفك دم لا تحصل مغفرة “.

فالصليب هو الأداة الوحيدة لغلبة موت الخطية، لأن ابن الله هو الوحيد الذى لم يحمل خطية موروثة من آدم الأول ولم يعمل خطية ولا وجد فى فمه غش.

وقيامة المسيح من بين الأموات هى إعلان إنتصار حياة البر التى فى المسيح الذى “ ليس بأحد غيره الخلاص”.

هذا العمل قام به الابن إعلاناً لمحبة الله للبشر:

“ لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ،........” ( يوحنا3: 16 )

وتحقيقاً للعهد الذى قطعه الآب مع الإبن قبل كل الدهور

                                                            (مزمور 40: 7، 8)

وقد جاء الإبن تحقيقاً لهذا العهد ( يوحنا10: 18، لوقا22: 29) لذلك فالمؤمن أجرته (يوحنا17: 6، 9) وأيضاً إتمام للوعد الإلهى أن نسل المرأة يسحق رأس الحية ( تكوين3: 5).

صار ابن الله نائباً عن البشر فى وفاء الحق الإلهى وإرضاء العدالة وأعد براً كاملاً لكل من يؤمن به ( أنظر أعمال5: 30، 31 و يوحنا1: 12 وعبرانيين7: 22- الخ ورومية3: 21- 25)

والذين يقبلون هذا الخلاص إذ يولدون ولادة جديدة يقادون إلى الشركة مع الله ويمنحون رغبة فى ترك الخطية (يوحنا5: 24، رومية8: 5).

ويصيرون ورثة الحياة الأبدية ( إشعياء53: 10- الخ)

فالخلاص فى كماله يشمل من الجانب الإلهى:

التبرير، والتبنى، والتقديس، والتمجيد.

ولكى يتمتع الإنسان بهذا الخلاص يلزم:

الإيمان، والتوبة، ثم الاجتهاد فى ممارسة وسائط النعمة.

   ونأتى الآن إلى توضيح ما تعنيه كل كلمة من هذه الكلمات التى تكمل فكرة الخلاص بحسب الإنجيل.

1- التبرير

وهو فعل نعمة الله المجانية الذى به يغفر خطايانا جميعاً ويقبلنا كأبرار قدامه.

وذلك لأجل مجرد بر المسيح الذى يحسب لنا

الذى نقبله بواسطة الإيمان فقط

فالتبرير إذا يشمل عملين هما:

الغفران: (رومية6: 6، 7) وهو يشمل غفران الخطية الأصلية الموروثة من آدم الأول والخطية الفعلية التى أرتكبها الإنسان.

وقبول الإنسان كبار أمام الله (أفسس1: 4-9)

وواضح أيضاً أنه لا مكان لأعمال الإنسان فى فعل التبرير، لأنه بالإيمان فقط وهو عمل الله فى المسيح المصلوب.

ولإثبات معنى التبرير هذا إرجع إلى الشواهد الكتابية الآتية:

رومية                      3: 20-28 ، 4: 5- 8

غلاطية                     2: 16، 3: 13

يوحنا                       3: 18، 5: 24

2كورنثوس                          5: 19- 21

2- التبنى:   

وعندما ننال البر الذى فى المسيح نقبل فى عداد أبناء الله (التبنى).

لا نكون فيما بعد عبيداً أو غرباء أو أجنبيين وأبناء الغضب، بل نصبح رعية القديسين وأهل بيت الله (أفسس2)

ونصير ملوكاً وكهنة                                   1بطرس2: 9

وشركاء الطبيعة الإلهية                       2بطرس1: 4

وورثة البر                                              عبرانيين10: 38

ونشترك مع المسيح فى مجده وملكوته      رومية8: 17

وهذا هو التبنى الذى لا يكمل إلا بفداء الأجساد       رومية8: 23

3- التقديس:

وهو عمل نعمة الله المجانية الذى به نتجدد فى جميع قوانا حسب صورة الله ونزداد قدرة حتى أننا شيئاً فشيئاً نموت عن الخطية ونحيا للبر.

والتقديس يأتى بعد التغيير الكلى (1يوحنا3: 9) الذى يسمى أيضاً التجديد أو الولادة الجديدة – فالولادة الجديدة هى بدء الحياة فى المسيح.

والتقديس هو إستمرار الحياة فى المسيح.

وهو غاية دعوتنا                                                (2تيموثاوس1: 9)

وهو غاية التبرير والتبنى                                       (أفسس1: 4، 5، 4: 24)

ويقدسنا الله لأنه هو قد قدوس                                  (1بطرس1: 16)

ولأن المسيح إشترانا بدمه للقداسة                    (تيطس2: 14)

وبدون قداسة لن يرى أحد الرب                       (عبرانيين12: 14)

وعن طريق التقديس يتحقق إتحادنا بالمسيح وتدوم شركتنا مع الله.

والتقديس ليس للروح فقط بل هو يشمل الجسد أيضاً إذ يقول فى( رومية6: 13 ) “ وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلَّهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ لِلَّهِ.” وتصير أجسادنا هى أعضاء المسيح (1كورنثوس6: 15) بل الجسد هو هيكل الروح القدس فالتقديس إذن هو “ أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ،وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ.” ( أفسس4: 22- 24) 

وهنا نرى أن للتقديس شقين أيضاً:

(أ) الموت عن الخطية وكراهية الشر:

وبذلك نتغلب على الضعف البشرى الذى فينا، وأيضاً نقدر أن نقاوم المحاربة من خارج ونتخطى العثرات.

(ب) الحياة للبر ومحبة كلام الله وطاعته:

 لكننا نلاحظ أن التبرير “ فعل” يحدث مرة واحدة أما التقديس فهو “ عمل “ له صفة الاستمرار أى أننا نتقدس كل يوم بعمل نعمة الله ونقرأ فى (1 تسالونيكى4: 1) “....، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ.”. وفى مزمور84: 7 يقول : “ يذهبون من قوة إلى قوة”.

بل أن التقديس يحدث أيضاً بعد حالات الضعف فيقول الرب فى هوشع 14 “ إرجع يا إسرائيل إلى الرب إلهك لأنك قد تعثرت باثمك... أنا أشفى إرتدادهم. أحبهم فضلاً، لأن غضبى قد ارتد عنه”.

وفى مزمور 37 يتكلم عن الإنسان المؤمن ويقول “ إذا سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده”.

ولكن الواضح من الكتاب أن الإنسان هنا فى الأرض لا يمكن أن يصل إلى مرحلة القداسة التامة، لأنه يحيا فى الجسد الضعيف (رومية7: 14- 25)

ولكن عند مجئ الرب نلبس الأجساد الجديدة ويكمل التبنى، وحينئذ فقط يصل المؤمن إلى مرحلة القداسة التامة.

أما نتيجة عملية التقديس المستمرة فهى ثبات المؤمن فى الإيمان ونموه فى النعمة حتى يأتى بثمر ويدوم ثمره.

++ وفى عمل التقديس نرى الإنسان مطالباً بأن يعمل مع الروح القدس من أجل الثبات والنمو، فيقول فى (1بطرس1: 13) “ لِذَلِكَ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ، فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”. وفى (1بطرس2: 11، 12) “..، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ، وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً”.

أما الوسائل التى نتقدس بها فهى:

(أ) الكلمة المكتوبة الغذاء الروحى(1بطرس1: 24، 2: 2)

(ب) الصلاة والصوم والشركة مع القديسين

(ج) المعمودية والعشاء الربانى    (متى3: 11، أعمال2: 41، رومية6: 3، 1كورنثوس12: 13)    

 4- التمجيد:

وهو المرحلة الرابعة فى العمل الإلهى للخلاص.

والتمجيد يتم عندما يأتى ابن الإنسان فى مجده ويجمع قطيعه من حوله ويقول لهم: “ تعالوا رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم”.

وفى عبرانين 9: 28 يقول “ هَكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ.”.

ومن هذه الآية نرى أن عملية ظهور الرب وكمال إعلان مجده وظهور العروس عن يمينه إنما هو جزء متمم للخلاص الذى أعده أمام كل الشعوب.

ليكمل خلاص شعبه                  (لوقا21: 27، 28 ، رومية8: 19- 22)

وليغير أجساد شعبه من الهوان إلى المجد   (1كورنثوس15: 51- 54)

وليأخذ شعبه لنفسه ويجعلهم شركاء معه فى ملكوته           (متى19: 28، 1كورنثوس6: 2، 3، 2تيموثاوس2: 11)

ويبقى الآن أمامنا دور الإنسان فى عملية الخلاص

وكما سبق الذكر أن دور الإنسان يتلخص فى ثلاثة أمور هى:

الإيمان

التوبة

الاجتهاد فى ممارسة وسائط النعمة.

1- الإيمان:

هو قبول المسيح مخلصاً وفادياً والثقة فى غفرانه ومحبته.

وبدون الإيمان لا يمكن إرضاء الله ( عبرانيين11: 6)

والإيمان بالمسيح يعنى معرفة شخص المسيح وسلطان المسيح وصلب المسيح والحاجة للمسيح.

فعندما يدرك الإنسان أن يسوع المسيح هو ابن الله الوحيد

وأنه الوحيد الذى له سلطان أن يغلب الموت

ويدرك أنه فى صليب المسيح قد تحققت مغفرة الخطايا

فانه يدرك فوراً أنه ليس بأحد غير يسوع الخلاص وأنه يحتاج له ويقبل إليه بكل إرادته، وبهذا الإيمان يرتبط المؤمن بيسوع المسيح ويقترن به “وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ.” (1كورنثوس6: 17).

ولكن لنذكر أن هذا الإيمان الذى للإنسان المؤمن هو أيضاً عطية مجانية من الله ( أنظر أفس2: 8، 9) “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.”

وبهذا الإيمان يتم الإتحاد بين المؤمن والمسيح إتحاداً روحياً وحقيقياً وغير قابل للانفصال لأن المؤمن يصير عضواً فى جسد المسيح، وجسد المسيح- الذى هو الكنيسة غير المنظورة – جسد حقيقى لأن بولس الرسول يكتب فى رسالة (رومية8: 38، 39) “ فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.”

ومع أن الإيمان قد يضعف أحياناً لكنه لا ينتزع متى دخل قلب الإنسان مرة لأن الذى يبتدئ به فى القلب يحفظه إلى النهاية “لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ........وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ. ....” (رومية5: 6-10)

وفى رسالة فيليبى 1: 6 يقول الرسول بولس “وَاثِقاً بِهَذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحاً يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.“.

وواضح أن الذى ابتدأ العمل الصالح هو الذى أعطى النعمة وهو الله نفسه وهو يكمل الصلاح والقداسة إلى الوصول إلى القداسة الكاملة فى يوم إعلان يسوع المسيح.

2- التوبة : 

التوبة وهى تغيير الاتجاه من الشر إلى الخير، وهى شرط لابد أن يتوفر فى كل من يتبرر، وهى ليست سبب التبرير لأن التبرير نعمة من الله وعطية مجانية لكن الذى يتبرر يغير إتجاهه بالتوبة لكى يسلك على طريق القداسة بدلاً من السلوك فى طريق الشر.

والتوبة تقترن بالحزن على الخطية وكراهيتها.

وأيضاً الرغبة الصادقة والعزم الخالص على إطاعة شريعة الله العادلة.

والتوبة تتبرهن بالتذلل والاعتراف بالخطية أمام الله. 

وبالتعويض عن الإساءات  التى وقعت بالآخرين.

وقد نادى يوحنا المعمدان بالتوبة لأن ملكوت الله قد اقترب (متى3: 2).

وقد واصل الرب يسوع نفس الرسالة وأكملها (متى 4: 17)

وأمر أن تستمر نفس الرسالة بعده وتمتد إلى أقصى الأرض (لوقا 24: 47)

وقد قدم بطرس نفس الرسالة فى يوم الخمسين (أعمال2: 38)

كما نادى بولس أيضاً برسالة التوبة (أعمال17: 30 ، أعمال20: 21)

والتوبة ليست مجرد الدموع والبكاء لكنها الندم بالفكر على الشر وتغيير الاتجاه إلى الخير الذى فى شخص الرب يسوع. فقد ندم يهوذا الأسخريوطى على شره لكنه لم يغير فكره أو إتجاهه فلم ينتفع شيئاً.

3- الاجتهاد فى ممارسة وسائط النعمة:

وقد سبق الكلام عن مسئولية الإنسان فى مشاركة الروح القدس فى عملية التقديس أن يجتهد فى دراسة الكلمة المكتوبة فهى نافعة للتعليم.

والغذاء الروحى وكذلك ممارسة حياة الصلاة والشركة مع الله كما فى حفظ فرائض الرب فى المعمودية والعشاء الربانى والشركة مع المؤمنين.

ويبقى أمامنا الآن سؤال هام وهو:

كيف نقبل إلى هذا الخلاص ونتمتع ببركاته:

لقد دفع الإبن كل الثمن وهو دمه الذى يطهر من كل خطية.

وهو نفسه يعطينا هذا الخلاص مجاناً.

إلا أننا من ذاتنا لا نقدر أن نأتى إليه إذا لم يحركنا الروح القدس، لأنه مكتوب:”... وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.” (1كورنثوس12: 3).

“ وبغير الاعتراف بيسوع أنه رب لمجد الله الآب لا خلاص لأن ليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص” ولذلك فالروح القدس يحركنا ويعمل فينا أن نريد وأن نعمل لأجل المسرة، وبذلك يكون الإقبال إلى الخلاص بارادتنا التى يحركها الروح القدس.

وقد يعاند البعض بعض الوقت ولكنهم يدفعون ثمن العناد حتى يخضعوا لإرادة الله ولنأخذ لذلك مثال شاول الطرسوسى الذى قال له الرب: “ صعب عليك أن ترفس مناخس”... إلى أن قال: “ ماذا تريد يارب أن أفعل؟”.

(3) المسيح، تجسده وطبيعتاه

“ الفادى الوحيد.. هو الرب يسوع المسيح، الذى وهو منذ الأزل إبناً لله، صار إنساناً، وهكذا لا يزال إلى الأبد إلهاً وإنساناً ذا طبيعتين متميزتين وأقنوم واحد،

(قانون الإيمان الإنجيلى)

“ عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد”

(1تيموثاوس3: 16).

شعر أيوب أنه فى حاجة إلى من يصالحه مع الله، وصرخ: “ لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!” (أيوب9: 33)..فمن هو المصالح الذى يقدر أن يضع يده فى يد الله، وفى يدى أنا الإنسان؟!

وفى ملء الزمان أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة، مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى (غلاطية4: 4، 5).. “ولَكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ،” أى أن الله كان فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه، “ غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ،” (2كورنثوس5: 18، 19)

كان لابد أن يصير المسيح إنساناً ليصالحنا مع الله.. لأنه يصير بذلك “ ابن الإنسان” ممثل البشر، وفى الوقت نفسه “ابن الله ممثل الله. وبهذا فقط يصالحنا مع الله ، “يضع يده على كلينا”! وما كان يمكن أن يطلب أو يقوم لو لم يتجسد!

ونحن نجد الحديث عن المسيح “ابن الله” يملأ صفحات الكتاب المقدس- “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ.” (يوحنا1: 1) – ولقد قال المسيح عن نفسه:” أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ».” (يوحنا10: 30) وقد سجد له توما قائلاً: “ «رَبِّي وَإِلَهِي».” (يوحنا20: 28) وقبل المسيح منه هذا السجود، الذى لا يكون إلا لله وحده. وقد قال الرسول بولس عن المسيح: “لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ،..... فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً،” (كولوسى1: 19، 2: 9)

ليس هذا فقط، بل أن المسيح تحدث عن نفسه باعتبار أنه المخلص الوحيد ( يوحنا14: 6) وجعل نفسه مركز الإيمان الخلاصى، ودعا إلى ذاته كالمريح والفادى والمحى (متى11: 28، يوحنا6: 48، 8: 12، 11: 25).ولم يحدث أن نبياً دعا لنفسه أو قال عن نفسه ما قاله المسيح. ذلك أنه هو ابن الله الحبيب الذى به سر، والذى له يجب أن نسمع ( لوقا9: 35).

أما الحديث عن أن المسيح هو ابن الإنسان، أنه ممثل البشر، فانه أيضاً يملأ صفحات الكتاب المقدس. لقد دعى إنساناً (1تيموثاوس2: 5) و “ابن الإنسان” (متى13: 37) و “نسل المرأة” ( تكوين3: 15) و” ابن داود” (لوقا1: 32) ودعاه بطرس “ الرجل” (أعمال2: 22).

وكأى إنسان كان المسيح ينمو فى القامة وفى الحكمة وفى النعمة (لوقا2: 52) وكان يتعب ويحزن ويبكى ويتحنن..

هذا يكشف لنا أن للمسيح طبيعتين. فهو الإله الكامل، وهو الإنسان الكامل. ويوضح بولس هذه الحقيقة بقوله: “... ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.” (رومية1: 3، 4).

للمسيح إذاً طبيعتان، وهو شخص واحد. فهناك آيات كتابية تظهر صفات المسيح الإلهية مع الصفات البشرية منسوبة إليه، وهو الشخص الواحد: مثلا إنه المعادل لله والذى أخذ صورة العبد ( فيلبى2: 6- 11) ولقد اشترك مع البشر فى اللحم والدم مع أنه أباد الموت (عبرانيين2: 11- 14)، ولقد جاء فى شبه جسد الخطية ومع ذلك فقد دان الخطية (رومية8: 3)- (راجع 1تيموثاوس3: 16، غلاطية4: 4، رومية9: 5، يوحنا1: 14، 1يوحنا4: 3).

والمسيح صاحب الطبيعتين المتحدتين فى شخصه الواحد، لم يحدث أن أختلطت طبيعتاه معاً ولا امتزجتا، وإلا نتج عن هذا الخلط والمزاج طبيعة واحدة متميزة تختلف عن طبيعته الإلهيه والإنسانية. ولعل خير مثل غير كتابى يوضح هذه الحقيقة هو الحديد المحمى فى النار.. إن النار تحل فى الحديد وتتحد به، لكنها لا تختلط به!.

ونحن نؤمن أن ناسوت المسيح لم يصر إلهاً، وأن لاهوت المسيح لم يصر إنساناً، فلم تنتقل صفة من الطبيعة الإلهية إلى طبيعته البشرية، ولم تنتقل صفة من الطبيعة البشرية إلى طبيعته الإلهية.

هذا الاتحاد غير المختلط لطبيعتى المسيح لم يكن بحلول الطبيعة الإلهية فى جسد بشرى، بل كان اتحاداً شخصياً نشأ منه أن المسيح شخص واحد بطبيعتين متمايزتين إلى الأبد، أى أنه إله وإنسان فى وقت واحد !.

ونحن نؤمن أن للمسيح مشيئتين وبرهان ذلك هو صلاته فى بستان جثسيمانى عندما قال:” «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ. وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».......«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ».” (متى26: 39، 42).

ولقد جاءت تعاليم خاطئة كثيرة عن شخص المسيح وطبيعتيه:

هناك تعليم أبو لوناريس الذى قال إن المسيح ابن الله المتجسد. لم يكن له نفس ناطقة، بل أن اللاهوت قام مقامها.

وهناك تعليم نسطور الذى عاش فى القرن الخامس الميلادى وكان أسقفاً للقسطنطينية، وقد علم بأن للمسيح شخصيتين- ولو أنه قيل بعد ذلك إن نسطور لم يناد بمثل هذا التعليم، ولكن أعداءه نسبوا هذا التعليم إليه.

وهناك تعليم يوتيكس الذى كان راهباً فى القسطنطينية فى القرن الخامس الميلادى ونادى بأن طبيعتى المسيح اختلطتا، وتكونت نتيجة لهذا الاختلاط طبيعة واحدة !

 وخلاصة ما نصل إليه هو أن ابن الله الأزلى صار إنساناً، بأن اتخذ لنفسه جسداً حقيقياً ونفساً ناطقة، وهكذا كان ولا يزال إلى الأبد إلهاً وإنساناً ذا طبيعتين متميزظتين فى شخص واحد.

(4) الإيمان والأعمال

رأينا فى الجزء الثانى من هذا الفصل أن الخلاص هو بالإيمان، وقد قرأنا فى (أفسس2: 8، 9) “...مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، .....لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ .....” وفى (رومية3: 28) “ ... الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ.” .. وقد تبرر إبراهيم بالإيمان (رومية4: 2، 3).

ولكن الكتاب يقول أيضاً:” مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَاناً وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟” (يعقوب2: 14) ثم يمضى الرسول يعقوب ويقول:”أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ ....تَرَوْنَ إِذاً أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.” ( يعقوب2: 21، 24).

ونسمع أن الخلاص هو بالأعمال، ولو أن كنيستنا تؤمن برأى الإنجيل فى أن الخلاص هو بالإيمان وحده.. فما هو الرأى الكتابى الكامل؟ وهل يوجد تناقض بين ما قاله الرسول بولس وبين ما ذكره الرسول يعقوب؟ هل يضارب الكتاب المقدس بعضه؟

بالطبع لا ! ولكن إليك هذه الحقائق الهامة التى توضح الموضوع كله:

1- يقول الرسول بولس إن الإنسان يتبرر أمام الله بالإيمان وحده، ويقول الرسول يعقوب إن الإنسان يتبرر أمام الناس وأمام ضميره بالعمل الصالح. فلا تبرير أمام الله إلا بالإيمان بما عمله المسيح لأجلنا، ولكن الناس لا يرون هذا الإيمان إلا من خلال العمل الصالح، ولذلك فان العمل الصالح يبررنا أمام الناس، ويبررنا أمام ضمائرنا. 

ويقدم الرسول يعقوب مثالين عن التبرير أمام الناس بالأعمال: إبراهيم وراحاب.. يقول إن إبراهيم تبرر بأعماله عندما قدم إبنه محرقة(يعقوب2: 21- والقصة وردت فى التكوين22). وواضح أن إبراهيم كان قد تبرر من قبل ذلك بكثير، فعندما آمن بوعد الله له، تبرر أمام الله بالإيمان (التكوين15: 6). تبرر أمام الله بالإيمان، وتبرر أمام الناس وأمام ضميره بالعمل الصالح فى طاعته لله وتقديم إبنه محرقة.  

أما راحاب فيقول الرسول يعقوب عنها إنها “تبررت بالأعمال إذ قبلت الرسل وأخرجتهم من طريق آخر” (يعقوب2: 25- القصة فى يشوع2) – والتبرير الذى يقول يعقوب إنه جرى لراحاب هو تبريرها أمام بنى إسرائيل، فأنقذوها وأهلها من خراب أريحا. أما تبريرها أمام الله فقد حدث عندما آمنت به من قبل أن يصل الجواسيس إلى بلدها. وبسبب هذا الإيمان قبلت الجواسيس الذين يسميهم الرسول يعقوب “ الرسل”. ( قارن يشوع2: 1و 10).

2- يتحدث الرسول بولس عن أهمية الإيمان القلبى الذى يخلص الحياة ويفدى من الخطية، وهو الإيمان الذى يثمر العمل الصالح، بعد أن يحدث تغيراً فى الحياة. وفى كل كتابات بولس نرى تنبيراً على العمل الصالح كثمر للإيمان، فهو يطلب أن يزداد المؤمنون فى كل عمل صالح (2كورنثوس9: 8) وفى الأصحاح المشهور الذى يتكلم فيه عن أن الخلاص بالإيمان وليس من أعمال كيلا يفتخر أحد، يقول أيضاً:” لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.” ( أفسس2: 10). وهو يطالب النساء المؤمنات بالعمل الصالح(1تيموثاوس2: 10، 5: 10) وهو يوضح أن الهدف من الكتاب المقدس هو أن يكون “ .... إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.” (2تيموثاوس3: 17). ويطلب أن يقدم القسيس نفسه قدوة للشعب فى الأعمال الصالحة الحسنة (تيطس2: 7) ويطلب من القسيس أن يعظ الشعب “....ِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً......” (تيطس3: 8).

وهكذا نرى أهمية العمل الصالح كثمر للإيمان، وكنتيجة حتمية له. فالأصل هو الإيمان، والعمل تابع له.

3- ويهاجم الرسول يعقوب نوعاً من الإيمان، هو الإيمان العقلى الذى لا ينشئ تغييراً فى الحياة، وهو شبيه بإيمان الشياطين الذين يؤمنون ويقشعرون ولكنهم لا يتوبون ولا يتغيرون (يعقوب2: 19). ويهاجم الرسول يعقوب الشخص الذى يقول إنه مؤمن، ولكن عمله لا يظهر هذا الإيمان.. الشخص الذى يقول للعريان: استدفئ، ولكنه لا يكسوه، والذى يقول للجائع: إشبع، ولكنه لا يطعمه ! هذا هو الإيمان الميت، إيمان المعرفة الذى لم ينزل إلى القلب، فلم يثمر محبة ولا سلوكاً !

هذا الإيمان العقلى الذى يهاجمه الرسول يعقوب يشبه إيمان سيمون الساحر الذى لما رأى معجزات الرب على يدى الرسول بطرس آمن إيماناً عقلياً، ولكنه لم يكن إيماناً عاملا، فقال له بطرس: “ .. قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللهِ. فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ،” (أعمال8: 13، 21، 22).

4- يتحدث الرسول بولس ضد الأعمال الصالحة التى ليست ثمراً للعلاقة الصحيحة مع الله، لأن صاحب هذا العمل يظن أنه بفضل أعماله الصالحة يحصل على الغفران وعلى حق دخول السماء! هو العمل الصالح الذى افتخر به الفريسى بأنه يدفع العشور ويصوم مرتين فى الأسبوع (لوقا18: 9- 14) ولكن الله لم يقبل هذا الفريسى ولم يغفر له خطاياه!

كان اليهود يعتقدون أن الخلاص هو بعمل ما جاء فى ناموس موسى، ولكن الرسول بولس يهاجم هذه الفكرة ويقول إن الخلاص لا يكون إلا بالإيمان بالمسيح.. وتعليل ذلك أنه لو كان الخلاص هو بأعمال الإنسان الصالحة فقط لكان موت المسيح بلا سبب !

وقد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال: ماهى فائدة العمل الصالح الذى يقوم به شخص لم يفتح قلبه للمسيح؟

والإجابة هى أن هذا العمل الصالح ينفع غير المؤمن هنا على الأرض، ولكنه لا ينفعه فى السماء، فالذى يعمل الخير يرضى عن نفسه ويرضى الناس عنه، ولكنه لا يحصل على رضى الله، فانه بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (العبرانيين11: 6).

إن غير المؤمن الذى عمل العمل الصالح يشبه شخصاً نزل ملعب كرة قدم أثناء مباراة، واستطاع أن يودع الكرة شبكة المرمى.. لقد أصاب الهدف، لكنها إصابة لا تحتسب له ! إن حكم المباراة لا يحتسب الإصابة إلا إذا كان اللاعب أحد أفراد الفريق الذى يلعب. هكذا يجب أن تكون أنت أحد أبناء الله حتى يحسب الله لك العمل الصالح.

العمل الصالح أساسى، ومقبول من الشخص الذى ينتمى إلى عائلة الله.

(5) عقيدتنا في عمل الروح القدس

فى هذا الفصل نتعرض لعمل الروح القدس. لكن قبل الكلام عن عمله يلزم أن نذكر شيئاً سريعاً عن لاهوت الروح القدس، فالروح القدس هو الأقنوم الثالث فى اللاهوت، وهو ذو شخصية حقيقية. والأدلة الكتابية على ذلك كثيرة ونكتفى هنا بأن نذكر أربعة شواهد نتركها للقارئ ليدرسها ثم ندخل مباشرة إلى موضوع الدراسة وهوعمل الروح القدس، وهذه الشواهد هى (تكوين1: 2، مزمور139: 7، متى4: 1، 1كورنثوس2: 10- 13) وغيرها الكثير، إذ قد تسمى الروح بأسماء كثيرة فى الكتاب المقدس، أهمها روح الله – روح المسيح – روح الرب - روح الموعد – روح الحياة – روح النعمة – روح الحق- روح المجد – الروح المعزى.

ولهذه التسميات إرتباط بأعمال الروح الكثيرة التى نحاول أن نلخص أهمها فى العناصر الآتية:

أولاً : عمل الروح القدس فى الخليقة:

ومع أن ذكر الروح القدس كان محدوداً فى العهد القديم، إلا أنه كان واضحاً فى وجوده وفى اشتراكه فى أول عمل ذكر فى الكتاب المقدس. ونقرأ فى تكوين1: 2 “.. وروح الله يرف على وجه المياه”.

وفى تكوين 1: 21 “ وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا” والكلام هنا بصورة الجمع لوجود الثالوث، الآب والإبن والروح القدس، فى قصة الخليقة.

ثانياً: عمل الروح القدس فى كتابة الكتاب المقدس:

فهو يرشد الأنبياء، وهذا واضح من كلام موسى فى سفر (العدد11: 29) “ يَا ليْتَ كُل شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ، إِذَا جَعَل الرَّبُّ رُوحَهُ عَليْهِمْ!».” ويقول حزقيال: “ فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي. وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ فَسَمِعْتُ الْمُتَكَلِّمَ مَعِي.” ( حزقيال2: 2) وبحلول الروح القدس يتنبأ البنون والبنات، ويحلم الشيوخ أحلاماً ويرى الشباب رؤى (يوئيل2: 28). 

وفى رسالة بطرس الرسول الثانية نقرأ “لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (2بطرس1: 21).

ثالثاً: الروح القدس فى حياة الرب يسوع المسيح:

هو الذى أنبأ بمجيئه والأعمال التى يعملها وذلك قبل مجيئه بمئات السنين (أنظر إشعياء61: 1 مع لوقا4: 21).

وهو الذى حل على العذراء مريم لتلد الطفل يسوع.

وكان مثل حمامة نازلاً فى أثناء معمودية يسوع من يوحنا المعمدان (متى3: 16).

وهو الذى قاد يسوع إلى البرية لكى يجتاز التجربة أمام إبليس (متى4: 1)

وهو وراء كل خدمة الرب يسوع للناس، وهذا ما قاله الرب يسوع نفسه عندما اقتبس ما جاء فى إشعياء61: 1، 2 ليعلن “«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ، ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ».” (لوقا4: 18، 19).

رابعاً – الروح القدس فى الدعوة للإنجيل:

الروح القدس هو الذى يحرك ضمائر كل الناس ويوجههم أن ينتبهوا ليروا الله فى الطبيعة وفى الكتاب المقدس وفى الأحداث من حولهم، حتى أن كل من لا يقبل رسالة الإنجيل يعتبر مقاوماً للروح القدس. وهذا ما نسمعه فى خطاب إستفانوس فى (أعمال7: 51، 52) “«يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ، أَنْتُمْ دَائِماً تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذَلِكَ أَنْتُمْ..... وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ الْبَارِّ الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ،”

ورفض دعوة الروح القدس للخلاص هو أساس دينونة الخطاة، وقد قال الرب يسوع عن الروح القدس: “وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ. 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي،” (يوحنا16: 8، 9)

وفى الرسالة إلى (العبرانيين 10: 29 ) “ فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟.” وروح النعمة هو الروح القدس ويسميه هنا روح النعمة لأنه يقدم الخلاص مجاناً لكل الناس، لأن محبة الله هى لكل العالم “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.”. والروح القدس هو الذى يقدم هذه الدعوة العامة لكل الناس.

وهكذا تكون هذه الدعوة العامة شهادة عليهم. فمع أن الشعب رتب مائدة للسعد الأكبر، وملأ للسعد الأصغر خمراً ممزوجة، فان عبارة النجوم لم تكن هى حجة الدينونة، بل عندما يقول “....فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ».” (إشعياء65: 11، 12) ويكرر إرميا نفس الكلام فى (إرميا7: 13) “ دعوتكم فلم تجيبوا”.

ولكن إلى جانب هذه الدعوة العامة المقدمة للعالم أجمع نرى للروح القدس عملاً آخر فى الدعوة الفعالة، لأن كثيرين يدعون وقليلون ينتخبون وسوف نتعرض لشرح هذا الفكر فى العنصر التالى وهو:

خامساً- عمل الروح القدس فى المؤمنين:

تقديم الدعوة الخاصة:

مع أن الروح القدس يقدم الدعوة العامة لكل الناس، إلا أنه يقدم الدعوة بصفة خاصة للمعينين للملكوت.. وهذا ما اتفق اللاهوتيون على تسميته “الدعوة الفعالة” أو “النعمة الفعالة” “لأن الذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً. والدعوة هنا خاصة بالروح القدس، لأنه لا يقدر أحد أن يعترف بيسوع المسيح رباً إلا بالروح القدس. لأن قبول الخلاص ليس بالأعمال بل بالإيمان، والإيمان ذاته نعمة، أى عطية مجانية من الله، بعمل الروح القدس. فنقرأ فى (رومية11: 5-7)  “فَكَذَلِكَ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ أَيْضاً، قَدْ حَصَلَتْ بَقِيَّةٌ حَسَبَ اخْتِيَارِ النِّعْمَةِ. فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً. وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلاً. فَمَاذَا؟ مَا يَطْلُبُهُ إِسْرَائِيلُ ذَلِكَ لَمْ يَنَلْهُ، وَلَكِنِ الْمُخْتَارُونَ نَالُوهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا،”.

فبالروح القدس وحده يولد المؤمن الولادة الجديدة، فنقرأ فى (يوحنا1: 13) “اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللَّهِ.” وفى (يوحنا3: 5) ويقول الرب يسوع لنيقوديموس “....«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ.” والروح القدس بعد أن يقدم الدعوة الخاصة:

 

يرشد إلى الحق:

وهكذا قال عنه الرب يسوع “وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ....” (يوحنا16: 13) وهكذا يدرك المؤمن ما جاء بالكتب المقدسة بل بالحرى يدرك من هو المسيح المعلن فى الكتب المقدسة، لأن المسيح هو الحق. وهكذا فانه بعمل الروح القدس يأتى الإنسان إلى المسيح “.... بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ، الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ،....” (1كورنثوس2: 12، 13) وهكذا يخاطب بولس الرسول مؤمنى تسالونيكى قائلاً: “....أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ.” (2تسالونيكى2: 13).

تجديد المؤمن:

بعد أن يقدم الروح القدس الدعوة ويعطى القوة لمعرفة الحق يمنح المؤمن الحياة الجديدة، إذ يقول بولس الرسول فى رسالته إلى (تيطس3: 3-5) “لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضاً قَبْلاً أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً. وَلَكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ - لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ -خَلَّصَنَا بِغَسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ،” ومن هنا يتضح أن الروح القدس هو الذى يقوم بعملية التجديد فى حياة المؤمن، فيموت عن الخطية لكى يولد للبر.

هو ينير الخاطئ ويجدد قلبه ويحرك عواطفه مرشداً إياه إلى المسيح ليقبل الإيمان ويصبح قادراً على العيشة المسيحية.

(د)   يعطى المؤمنين التبرير:

الذى بموجبه يصيرا ابناً لله “لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ!». اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ....” (رومية8: 14-17 ). وشهادة الروح هنا ليست مجرد الاعلان بل هى العمل أيضاً، إذ هو ينقل إلينا كل فوائد عمل المسيح لفدائنا ونقلنا إلى الملكوت.

(هـ) يعطى المواهب للمؤمنين:

لكى تكون لهم خدمة فعالة، وإذا رجعنا إلى الرسالة الأولى إلى كورنثوس الاصحاح الثانى عشر نجد الكلام عن أنواع المواهب المختلفة، لكن الروح واحد، وأنواع أعمال مختلفة موجودة، ولكن الله واحد، الذى يعمل الكل فى الكل- أى أن الروح القدس هو الذى يعمل كل الأعمال فى كل المؤمنين على اختلاف مواهبهم. فالمؤمن يعطى كلام الحكمة، ولآخر كلام علم، ولآخر إيمان، ولآخر مواهب شفاء، ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر ترجمة الألسنة... ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء. وهكذا نرى أن مشئية الروح تتدخل فى توزيع المواهب والأعمال بحسب الفرد وحسب الظروف والحاجة الموجودة. فلما كانت هناك حاجة إلى من يتكلم لغة أجنبية حتى يفهم كل واحد إنجيل المسيح بلغته أعطى موهبة الكلام بألسنة.

ولما كان هناك الاحتياج إلى النبوة تنبأ المؤمنون بالروح، ولما كان هناك الاحتياج إلى الوعظ أفرز الروح وعاظاً مثل استفانوس. وهكذا نرى أن الروح القدس هو الذى يتحكم فى نوع الموهبة ونوع الخدمة التى يقوم بها كل مؤمن على حدة، بل قد تختلف رسالة المؤمن الواحد من وقت إلى وقت حسب الحاجة. فنرى بين الشمامسة – الذين هم أصلاً لخدمة الموائد- نرى منهم من خرج للوعظ. وبولس المفرز ليحمل الإنجيل، يأتى الوقت الذى فيه يمارس خدمة شفاء المرضى، وهكذا.

وإن كان الروح وراء الأعمال التى يعملها المؤمن، فهو أيضاً للمؤمن:

(و) للتقديس:

“..... بَلْ تَقَدَّسْتُمْ بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا.” (1كورنثوس6: 11)- وإن كان التقديس هو الموت كل يوم عن الخطية والحياة للبر، فان هذا لا يمكن أن يحدث فى حياة المؤمن إلا بقوة وفاعلية الروح القدس، لأن الروح هو الذى يبكت على الخطأ، وهو الذى يعطى الفهم والقدرة على إدراك حياة البر وممارستها.

(ز) الروح يعطى الرجاء فى المجد فى المسيح:

وعندما يتكلم بولس فى رومية 15 عن الله انه إله الرجاء فانه يذكر إن الدخول إلى الرجاء والثبات فى هذا الرجاء والازدياد فى هذا الرجاء إنما هو بقوة الروح القدس “وليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام فلا الإيمان لتزدادوا فى الرجاء بقوة الروح القدس”.

(ح) كما أن الروح يكمل صلاة المؤمنين ويشفع فيهم:

“......وَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلَكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ.” (رومية8: 25-27) وهو بذلك يكمل صلواتنا ويعطينا التعزية. لذلك قال عنه الابن “إن لم انطلق لا يأتيكم المعزى”.

(ط) الروح هو الذى يفرز المبشرين بالكلمة:

فهو يوصى بافراز برنابا وشاول وهو الذى أقام الرعاة لرعاية رعية الرب إقرأ (أعمال13: 2، أعمال20: 28).

وأيضاً يعلم المفرزين كيف يجاوبون المضطهدين (مرقس13: 11، لوقا12: 12).

سادسا- عمل الروح القدس فى الكنيسة:

(أ) هو العامل لبدء الكنيسة، فقد أوصى الرب تلاميذه أن يبقوا فى أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالى، حتى يأتى المعزى روح القوة. وقد ظل التلاميذ فى خوف، ومنهم من عاد إلى عمله الأول وهو صيد الأسماك، ومنهم من حاول الرجوع إلى قريته (عمواس)، إلى أن جاء يوم الخمسين. ولعل أهم ما تميز به يوم الخمسين هو حلول الروح القدس. وهنا كان البدء العلنى الواضح لكنيسة العهد الجديد، وهنا كانت أول معمودية جماعية. 

وإن كان الروح هو الذى يدعو الأفراد للخلاص، فانه هو نفسه الذى يضم هؤلاء الأفراد إلى الكنيسة، ليكتمل جسد المسيح.

(ب) هو الذى يحكم فى شئون الكنيسة فعندما اختلف بولس وبطرس فى موضوع التهود والختان وكان بطرس قد إنحاز إلى أصحاب فكرة لزوم تكميل الطقس اليهودى قبل الدخول. اجتمعت الكنيسة وناقشت الأمر، فى المسيحية، وطلبت إرشاد الروح القدس، وأخيراً جاء القرار ومقدمته “... قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ ....” (أعمال15: 28).

(ج) والروح هو الذى يوجد القادة والعاملين فى الكنيسة، فيعلن لبطرس أن يكرز للأمم ويعلن لبطرس أن يقابل الرجال القادمين من قبل كرنيليوس (أعمال10). 

والروح هو الذى يقول لفيلبس:” ...«تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هَذِهِ الْمَرْكَبَةَ»”.التى كان يجلس فيها وزير الحبشة لكى يقدم له رسالة الإنجيل (أعمال8: 29). والروح هو الذى يمنع بولس من التبشير فى آسيا الصغرى ليعلن له فى رؤيا أن يذهب إلى مكدونية.

(د) الروح هو الذى يوجه المواهب والخدمات فى الكنيسة لتقويتها وإستمرار خدمتها وبنيانها لأنها جسد المسيح.”لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.” (أفسس4: 12، 13).

وسفر أعمال الرسل كله عبارة عن سفر أعمال الروح القدس فى الكنيسة. وليست هذه هى كل أعمال الروح فى الكنيسة، فهو مازال يعمل، ولذلك نلاحظ أن سفر الأعمال هو السفر الوحيد فى العهد الجديد الذى بدون خاتمة، لأن الروح القدس استمر يعمل وما زال يعمل وسيظل يعمل إلى مجئ الرب ثانية، ليأخذ عروسه الكنيسة إلى المجد المعد قبل تأسيس العالم.

وكما كان فى جميع كنائس اليهودية، والجليل والسامرة سلام وكانت تبنى وتسير فى خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر (أعمال9: 31) هكذا أيضاً كانت كنائس الأمم، وهكذا الكنيسة اليوم وستظل إلى مجئ مخلصها.

ولنا فى الكتاب بعض التحذيرات الخاصة بالروح القدس:

لا تقاوموا الروح (أعمال7: 51).

ولا تحزنوا الروح ( أفسس4: 30).

ولا تطفئوا الروح ( أفسس5: 19).

ولا تجربوا الروح( أعمال5: 3).

ولا تدنسوا هيكل الروح (1كورنثوس3: 17، 6: 14).

ولا تزدروا بالروح (عبرانيين7: 29).

ولا تجدفوا على الروح (متى12: 31، 32، مرقس3: 28-30، لوقا12: 10).

إذاً الروح مازال يعمل ويجب ألا نقاومه، والتجديف على الروح هو النطق بالإهانة نتيجة التفكير الردئ ضد الله وصفاته وأعماله ورفض عمل الروح فى إعادة الخليقة عن طريق الدعوة للإيمان بالمسيح المخلص (أنظر مزمور14: 1، 10: 11، 50: 21) بقى أخيراً أن نذكر أن المعمودية بالروح هى المعمودية على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا وهى الولادة الجديدة. والإمتلاء بالروح هو ممارسة الحياة المسيحية والنمو فى حياة القداسة- لذلك فرفض الإيمان بيسوع المسيح الغافر الخطايا هو رفض لعمل الروح القدس الذى يشهد للمسيح وهذه هى الخطية التى لا تغتفر- التجديف على الروح القدس- لأن من يرفض شهادة الروح القدس يفقد فرصة التمتع بالغفران.

(6) عقيدتنا في هـــل يهـــلك المـؤمـــن؟

(أو: الضمان الأبدى للمؤمن)

لقد تحدثنا عن أن التبرير هو بالإيمان، وعن ضرورة العمل الصالح كثمر للإيمان بالمسيح. ونتحدث هنا عن أن المؤمن الذى نال الحياة الجديدة فى المسيح، والذى يثمر عملاً صالحاً، يبقى ثابتاً فى النعمة، ولا يضيع من يد المسيح الذى وعد أتباعه بقوله: “خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي، وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ».” (يوحنا10: 27-30).

وهذا يعنى أن المؤمن الحقيقى الذى أختبر المسيح وصار من ضمن قطيعه فعلاً، لا يمكن أن يهلك أبداً!.

والسؤال: من هو المؤمن الحقيقى؟. 

مثل الزارع يجاوب على هذا السؤال، وقد قال المسيح إنه مفتاح فهم بقية الأمثال التى رواها لنا (متى13: 1-23).

فى مثل الزارع نجد أربعة أنواع من التربة. الطريق يصور حال الذين لا يقبلون كلمة الله، والذين عندما يسمعونها لا يفهمون، فيجئ الشيطان ويخطف ما قد زرع فى قلوبهم- فكأنهم ما سمعوا! وهناك الأرض المحجرة، وهى تحكى حال الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها حالاً بفرح، نتيجة التأثير العاطفى، ولكن ما أن تواجههم الضيقات حتى يعثروا ويسقطوا، لأن كلمة الله لا أصل لها فى نفوسهم، فلا يثبتون مع الرب. والنوع الثالث هو الأرض التى تنمو فيها كلمة الله، وفى الوقت نفسه ينمو فيها الشوك، ولما كان نمو الشوك أسرع فانه يخنق البذار الجيدة! وهذا يرمز إلى الذين يقتنعون بكلمة الله، ولكنهم يريدون أن يحتفظوا بخطاياهم، فيكون أن الخطايا والشهوات تخنق كلمة الله، فاذ بثمرها يذبل وينتهى.

أما النوع الرابع فهو الأرض الجيدة، التى يقبل صاحبها كلمة الله ويفهمها، ويثمر ثمراً صالحاً. وهذا هو الذى نسميه “المؤمن الحقيقى”. ويعتقد الإنجيليون أن مثل هذا المؤمن لا يهلك، و يضمنه المسيح ضماناً أبدياً.

براهين كتابية على صحة الثبوت فى النعمة:

نبدأ بالآيات الكتابية الواضحة التى تشرح هذه الحقيقة:

قول المسيح الذى أقتبسناه فى بدء هذا الحديث:”وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي.”. وقول المسيح أيضاً فى صلاته الشفاعية:”.... الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهلاَكِ، .... “ (يوحنا17: 12) وقول الرسول بولس: “لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ.” (رومية11: 29) ( بمعنى أن الله الذى وهب الحياة الأبدبة لا يرجع فيندم على ما أعطاه للمؤمن، ولا يسحبه منه). وقول بولس أيضاً: “وَاثِقاً بِهَذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحاً يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (فيلبى1: 6).. ويقول الرسول بطرس:”أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ” (1بطرس1: 5) ( وهذا يعنى أن الفضل فى الحراسة يعود إلى قوة الله).

وتتضح هذه الحقيقة أيضاً من صدق عقيدة الاختيار، فقد اختار الله المؤمن للخلاص، بدون أى ضغط على الله ! فقد قال المسيح للتلاميذ: “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، ....” (يوحنا15: 16). فان كان الله قد اختار المؤمن، فهل يسحب هذا الخلاص منه فى يوم من الأيام؟ لقد اختار الله وخلص من الهلاك، فهل يترك ابنه يعود إلى هلاكه مرة أخرى؟ ألم يخلص نتيجة لوعظ بولس وبرنابا “ جميع المعينين للحياة الأبدية” ؟ (أعمال13: 48). أليس “.. الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، ...” (رومية8: 29). وما أصدق قول الرب: “....«..َمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ.” (إرميا31: 3).

وتتضح حقيقة ثبوت المؤمن من شئ ثالث: ان المؤمنين ثابتون فى المسيح ومتحدون به. وما دام هو حياً فانهم سيحيون به ( يوحنا14: 19). ولذلك يقول الرسول: “فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” (رومية8: 38، 39).

وهناك برهان رابع: إن الروح القدس يسكن فى المؤمن كختم وعلامة على أنه قد صار ملكاً للرب. والله يعطى المؤمن الروح القدس عربوناً للفداء الذى سيكمل (2كورنثوس1: 21، 22، 5: 5). ومادام الروح القدس قد وضع ختمه وعلامته على المؤمن فلا خوف عليه من الارتداد، لأن المؤمن الحقيقى مضمون بسكنى الروح فيه، فالعربون يضمن أنه للرب الذى دفع فيه أول الثمن، ويعنى أن بقية الثمن سيسدد، وهكذا فان سكنى روح الله فينا هى أول بركات الله لنا، وهو الضامن على استمرارنا فى رحلة الإيمان العظيمة.

وهناك برهان كتابى سادس على ثبوت المؤمن، وهو أن المسيح شفيع المؤمنين. استمع إلى صلاة المسيح الشفاعية لأجل تلاميذه ولأجل كل المؤمنين عبر العصور: “....احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ.” (يوحنا17: 11- أنظر أيضاً آيتى 15، 20) والمسيح الآن جالس عن يمين الله يشفع فى المؤمنين (رومية8: 34). فهل يعقل أن شفاعة المسيح لأجل المؤمنين تكون بلا ثمر، فاذا بهم يرتدون ويسقطون؟؟

لابد أننا نذكر صلاة المسيح لأجل بطرس وسائر التلاميذ عندما طلبهم الشيطان ليغربلهم كالحنطة، فصلى المسيح لأجلهم لكى لا يفنى إيمانهم- وقد استجاب الله لذلك، وثبت إيمانهم ( لوقا22: 31، 32). فهل يهلك مؤمن يصلى المسيح لأجله؟؟.

نوعان من الذين سقطوا:

هناك أشخاص يذكر الكتاب المقدس أنهم سقطوا بعد إيمانهم. وينقسم هؤلاء إلى نوعين:

نوع كان إيمانهم التظاهر الكاذب، وهؤلاء ضاعوا- يقول عنهم الرسول يوحنا: “مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا، لَكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا.” (1يوحنا2: 19).

نوع كان إيمانهم صحيحاً، وسقطوا فترة، ولكنهم رجعوا للرب بعد أن عمل روح الله فيهم، فأرجعهم الرب إليه بالتأديب أو بالتنبيه، أو بكليهما معاً. مثلاً: شمشون الذى ضل، نجد إسمه ضمن قائمة أبطال الإيمان، فقد أدبه الرب وأنقذ نفسه من الهلاك. وداود عندما سقط فى الخطية ضاعت منه بهجة الخلاص، لكنه لم يخسر الخلاص نفسه، لذلك لم يقل للرب: “رد لى خلاصك” بل قال: “ رد لى بهجة خلاصك” (مزمور51: 12).

هذا يوضح لنا أن المؤمن الحقيقى من نوع الأرض الجيدة لا يهلك.

شواهد كتابية تحتاج إلى شرح:

هناك شواهد كتابية كثيرة تفيد إمكان هلاك المؤمن، فقد قال حزقيال: “وَإِذَا رَجَعَ الْبَارُّ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْماً وَفَعَلَ مِثْلَ كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشِّرِّيرُ، أَفَيَحْيَا؟ كُلُّ بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَهُ لاَ يُذْكَرُ. فِي خِيَانَتِهِ الَّتِي خَانَهَا وَفِي خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا يَمُوتُ.” ( حزقيال18: 24).

وقال المسيح: “كل غصن فىَّ لا يأتى بثمر ينزعه” (يوحنا15: 2). وقال كاتب العبرانيين: “لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي، وَسَقَطُوا، لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضاً لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ.” (عبرانيين6: 4-6).

(راجع أيضاً عبرانيي10: 26، 27 و 2بطرس2: 20، 21).

هذه الآيات كلها تصف حال المؤمن غير الحقيقى، الذى يظهر صورة الإيمان ولكنه لا يمتلك قوته. انه النوع الذى ينتمى للأرض المحجرة وإلى الأرض التى تنمو فيها البذار الصالحة مع الأشواك، فتختنق البذار الصالحة.

هل أنت مؤمن حقيقى؟

هل أنت أرض جيدة؟

إن المسيح يضمن المؤمن الحقيقى، ولن يخطفه أحد من يد المسيح، ويمكنه أن يقول مع بولس بكل ثقة: “... لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ. (2تيموثاوس1: 12).

(7) عقيدتنا في كهنوت جميع المؤمنين

الكاهن هو إنسان من البشر يكون وسيطاً بين الناس وبين الله ليقدم الذبائح والقرابين والصلوات إلى الله نيابة عن الناس، ليصالح الناس مع الله ويشفع فيهم قدامه. ونحن نجد وظيفة الكاهن فى ديانات كثيرة قديمة مثل ديانة قدماء المصريين وغيرها من الديانات الوثنية.

وفى الديانة اليهودية نجد وظيفة الكاهن، فقد كان نظام الذبائح الطقسى عند اليهود أمراً جوهرياً- وفى الأزمنة السابقة لموسى لم تكن هناك رتبة كهنوتية خاصة بل كان رب الأسرة هو كاهنها، يقدم بنفسه تقدماته عن نفسه وعن أهل بيته. وعلى هذا الأساس قدم هابيل ونوح وابراهيم وأيوب ويعقوب ذبائحهم.

(تكوين4: 4، تكوين8: 20، 21، تكوين12: 7، 8 ، أيوب1: 5، تكوين 31: 54، 33: 20).

أما الشريعة الموسوية فقد نظمت الكهنوت وحصرته فى هرون ونسله من بعده، ووضعت لذلك طقوساً معينة، وكل هذه الطقوس رموز إلى ذبيحة المسيح التى كان الرب قد رتبها لخلاص البشر. ذلك لأن الذبائح الحيوانية ما كان يمكن أن تكفر عن خطية الإنسان، فالله لم يكن يقبل موت الحيوان نيابة عن الإنسان، لكنه كان يقبل دم الذبيحة باعتبارها رمزاً إلى دم المسيح، فان الذبائح نفسها لا تستطيع أن تنزع الخطية، لذلك كان على الكاهن أن يقدم الذبائح مراراً وتكراراً- كما ذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين بقوله: “وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ.” (عبرانيي10: 11).

لذلك عندما جاء المسيح، كان هو الكاهن الأعظم الذى توسط بين الله والناس، وكان هو الذبيحة، لأنه قدم نفسه فدية عن الخطايا. وكهنوت المسيح أسمى وأعظم من كهنوت اللاويين ( الذين من نسل هرون) نظراً لسمو شخصيته، وخلوه من الخطية، ولسمو ذبيحته وقيمتها غير المحدودة

وفى هذا يقول الكتاب:

“وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً....” (عبرانيين9: 11-14).

وبمجئ السيد المسيح، وتقديمه هذه الذبيحة ذات المفعول الدائم، أصبح الإنسان لا يحتاج إلى كاهن يتوسط بينه وبين الله، بل يستطيع كل إنسان أن يلتجئ إلى الله بالمسيح الحى. وهذا واضح من أقوال الكتاب المقدس الصريحة: “لأَنَّ النَّامُوسَ، إِذْ لَهُ ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، لاَ نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ، لاَ يَقْدِرُ أَبَداً بِنَفْسِ الذَّبَائِحِ كُلَّ سَنَةٍ، الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، أَنْ يُكَمِّلَ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ. وَإِلاَّ، أَفَمَا زَالَتْ تُقَدَّمُ؟.....لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا.... وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ. وَأَمَّا هَذَا (المسيح) فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ،.... لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ.” (عبرانيين10: 1، 2، 4، 11-12، 14).

وبما أن المسيح له وحده عدم الموت لذلك فكهنوته لا يزال إلى الأبد (عبرانيين7: 23، 24) ونحن المسيحيين لا نحتاج إلى كاهن آخر غيره. ومما يؤيد هذه الحقيقة أن العهد الجديد لم يصف الرسل والتلاميذ والقسوس بلفظ “ كاهن” مطلقاً بل إن هذا التعبير” كاهن” كان يطلق على كهنة اليهود فقط.

وما دام المسيحى متحداً بالمسيح إتحاداً روحياً، لذلك فان من حقوقه أن يأتى مباشرة إلى الله بالمسيح دون وساطة أخرى. وبهذا المعنى يكون جميع المؤمنين كهنة لله، أى يتقدمون إلى الله مباشرة، وهذا ما نسميه “ كهنوت جميع المؤمنين”. والكتاب يوضح ذلك صريحاً، أن المسيح جعل شعبه ملوكاً وكهنة لله (رؤيا1: 6، 5: 10) وهم جنس مختار وكهنوت ملوكى وأمة مقدسة (1بطرس2: 9). وبذلك يمكن للمؤمنين أن يقدموا لله ذبائح روحية لا كفارية كالتسبيح وفعل الخير “ فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ.” (عبرانيين12: 15)، “.... لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ.” (عبرانيين13: 16) “ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.” (1بطرس2: 5)، وبنفس هذا المقام يمكن للمؤمن أن يصلى لأجل غيره من المؤمنين الأحياء باسم الرب يسوع المسيح (1تيموثاوس2: 1، 2، يعقوب5: 16).

 

 

 

(8) عقيدتنا في الشفاعة

الشفاعه هى التوسط بين طرفين وعلى الأخص بين طرف رفيع المقام وطرف أدنى، بناء على إمتياز خاص للوسيط يجعل له دالة وحظوة لدى الطرف السامى، مما يجعله يقبل وساطته من أجل الطرف الأدنى.

والشفاعة فى الدين هى التوسط بين الله والإنسان حتى يقبل الله الإنسان ويشفق عليه ويبرره ويقبل صلاته ويرضى عنه.

والكتاب المقدس يعلمنا بوضوح أنه لا يوجد شفيع أو وسيط يمكنه أن يتوسط بين الله والإنسان إلا شخص الرب يسوع المسيح.

أولاً- الأدلة المنطقية على هذه الحقيقة:

لأن الرب يسوع المسيح هو الكاهن الوحيد فى العهد الجديد. وقد أوضحنا ذلك فى القسم السابق عن الكهنوت.

لأن الرب يسوع وحده جمع الصفات اللازمة للوساطة بين الله والناس، ومنها أن يكون إنساناً بلا خطية، وإلهاً- فى الوقت نفسه- لذلك إتخذ يسوع طبيعتنا البشرية لا طبيعة الملائكة، وولد تحت الناموس لكى يكمل كل بر ويشترك فى حياتنا البشرية لكى يشعر بضعفاتنا (عبرانيين2: 14) و هو وحده القدوس الذى بلا شر- وقيمة ذبيحته غير محدودة لأنه لا يقدر أن ينزع الخطية إلا دم من هو أعظم من مجرد مخلوق. والمسيح فى حال كونه إلهاً أكمل إلى الأبد المقدسين عندما قدم نفسه مرة واحدة (عبرانيين7: 27، 9: 26).

لأن اتخاذ وسيط آخر غير المسيح خطأ لا يجوز للمسيحى أن يقع فيه، فليس هناك لأى إنسان من البشر مهما سما إستحقاق يمكن أن يعطيه لغيره ولا لنفسه. وقد علمنا السيد المسيح أننا مهما عملنا نقول أننا عبيد بطالون، لأننا فعلنا ما كان يجب علينا- وإذا استخدم البعض تشبيهات بشرية مثل فكرة الاستعانة بأم الملك أو الرئيس للوصول إليه ولنوال رضاه، فان كل هذه التشبيهات لا تنطبق على علاقة الإنسان بالله، بل تسئ إلى ذات الله وشخص المسيح، لأنها تعتبره بعيداً عن الإنسان، يحتاج إلى وسيط، بينما المسيح هو أخونا البكر وفادينا وأقرب ما يكون إلينا.

ثانياً- الأدلة الكتابية على شفاعة السيد المسيح وحده:

القول الصريح “لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ،” (1تيموثاوس2: 5).

أن المسيح قام بجميع ما تقتضيه الوساطة والشفاعة على الأرض وفى السماء مما لا يستدعى وجود شفيع آخر. “فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ.” (عبرانيين7: 25).  “لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا.” (عبرانيين9: 24). وقد قام المسيح بعمله على وجه الكمال حتى لا يصح أن يعاونه أحد فى عمل الشفاعة “لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ.” (عبرانيين10: 14).

وقد قال المسيح صراحة إنه لا يستطيع أحد من البشر أن يأتى إلى الآب إلا به (يوحنا4: 6).

والمسيح له من الصفات ما يؤكد أنه الشفيع الوحيد. فهو وحده الذى تعين لهذه الوظيفة “وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هَذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضاً......” (عبرانيين5: 4، 5) وهو وحده الذى له حق الظهور أمام الحضرة الألهية فى أى وقت أرد (عبرانيين9: 24)، وكلامه مسموع دائماً فقد صلى قائلاً: “وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. ......” (يوحنا11: 42) وهو وحده الموجود فى كل مكان، وفى كل زمان، ليسمع صلوات شعبه. فلم يقل غيره “ . وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». ....” (متى28: 20). وهو وحده الذى لا يستحيل عليه إستماع، وإجابة، وإغاثة الجميع، متى استشفعوا به فى آن واحد، هذا فضلاً عن أنه وحده بلا خطية مع أنه من نسل المرأة (عبرانيين7: 24-28، عبرانيين2: 16-18).

وقد قال أحد الشراح إنه لو إفترض وجود شفيع غير المسيح، فالرب يسوع هو الشفيع الأنسب، والأقوى، والأطهر، والأشرف. كما أنه قادر، وراض أن يشفع فى الكل، ويجده الجميع فى أى وقت أرادوا، وبما أن كل عاقل يستشفع بأحسن شفيع، فينتج عن هذا أنه لا محل لشفيع آخر غير الرب يسوع المسيح.

ثالثاً- علاقة شفاعة المسيح بعمل الروح القدس:

قيل فى رسالة (رومية8: 26، 27): “وَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلَكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ.” 

ومن هذا نعلم أن الروح القدس شفيع فى داخلنا، إذ يعيننا فى الصلاة لنعرف الأغراض الحقيقية التى نصلى لأجلها، أما المسيح فهو يشفع عند الآب خارجاً عنا فى السماء، وهكذا نرى أن عمل الروح القدس، وهو روح الله وروح المسيح والأقنوم الثالث من اللاهوت، وعمل المسيح كشفيع، يجعلان الصلاة مقبولة لدى الله.. فالروح يعيننا لنصلى كما ينبغى، والمسيح يشفع أمام الآب ليقدس صلواتنا ويقبلها. لذلك يقول المسيح: “وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. “ (يوحنا14: 26).

وقد شبه عمل الروح القدس، بعمل الأم، التى تلقن طفلها الصلاة، وتضع الكلمات المناسبة فى فمه، وتقترح عليه الموضوعات التى يصلى لأجلها. وهكذا نرى عمل الثالوث الأقدس، ممثلاً فى الروح الذى يتحدث فى قلوبنا، والإبن الذى يقدم صلاتنا إلى الآب، الآب الذى يستمع إلى الصلاة.

رابعاً- نظرة المسيحى إلى القديسين:

ينبغى أولاً أن نعلم أن لقب “قديسين” هو لقب يمكن أن يوصف به كل انسان مسيحى مولود من فوق. والقداسة التى للمؤمنين، ليست حالة ولكنها مقام.. أى أن المؤمن ليس فى ذاته قديساً ولكنه قديس فى يسوع المسيح.  وبذلك وصف كتاب الوحى المقدس جميع المؤمنين بالمسيح بأنهم قديسون.

والشواهد على ذلك كثيرة للغاية، فقيل عن بطرس إنه نزل إلى القديسيسن الساكنين فى لدة (أعمال9: 32)، وكتب بولس رسالته “ إلى القديسين الذين فى أفسس” ( أفسس1:1)، وفى كولوسى (كولوسى1: 2)، ( أنظررؤيا12: 13، 15: 25، 1كورنثوس16: 15، 2 كورنثوس8: 4، 9: 1، أفسس4: 12، عبرانيين6: 10، روميه16: 1...إلخ). إلا أنه فى تاريخ الكنيسة المسيحية، ظهر أفراد اشتهروا بالتقوى، والشجاعة، والمحاماة عن الإيمان، والشهادة ليسوع المسيح، والبعض منهم إستشهدوا من أجل كلمة الله، وإنجيل المسيح... وقد حاول البعض أن ينسبوا إلى هؤلاء إمتيازاً خاصاً، وأن يضعوهم فى رتبة ممتازة وقيل عنهم إنهم (قديسون) بهذا المعنى الخاص.

ونحن، وإن كنا لا نستطيع أن نحكم فى الناس ولا على الناس، وينبغى أن نترك الحكم على البشر لخالقهم، الذى يعرف خفيات القلب، لكننا لا ينبغى أن نتجاهل الشهادة القوية التى قدموها- بحسب نظرتنا الإنسانية- لإنجيل المسيح، ومن واجبنا أن نحترم ذكراهم، ولا نقلل من شأنهم... لكننا فى نفس الوقت، علينا أن نتمسك بتعليم الكتاب المقدس الصريح الذى يبين لنا أن يسوع المسيح هو الشفيع الوحيد.

إن كل خدمة يؤديها المؤمن إنما يؤديها فى حياته، ولا يمكن للمؤمن أن يقوم بخدمة بعد وفاته، إلا خدمة الله فى السماء بالترنيم والتسبيح لمجد الله.

فمن واجب المؤمنين وهم فى هذه الحياة أن يصلى بعضهم لأجل بعض. فقد طلب بولس من أهل تسالونيكى قائلاً:”أَيُّهَا الإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا” (1تسالونيكى5: 25). وقال يعقوب: “اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالّزَلاَّتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَوْا. طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعْلِهَا.” (يعقوب5: 16). وهذه الصلوات والطلبات تقدم بشفاعة المسيح.

ولكن بعد إنتقال المؤمنين من هذه الحياة، لا يصح أبداً أن نطلب منهم الصلاة، لأننا فى هذه الحالة ننسب إليهم أنهم يشاركون الله فى الحضور فى كل مكان، وفى إستماع الصلاة، ومعرفة خفايا القلب وسرائره، وهذا إشراك بالله.

أما قول الرسول: “اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ.” (عبرانيين13: 7)، فلا يزيد الأمر عن الاستفادة من إختبارات الآخرين، وقدرتهم، والتمثل بهم كما هم بالمسيح، كما قال بولس: “ كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضاً بِالْمَسِيحِ.” (1كورنثوس11: 1)، ولا علاقة لهذا بالصلاة لهم، أو طلب الشفاعة منهم على الإطلاق.

إن نسبة الصفات الإلهية إلى المخلوق، وتقديم أى شكل من أشكال العبادة للمخلوق، عبادة أصنامية، لا يقبلها الله... وهو الذى قال: “ لا يكن لك آلهة أخرى أمامى”.

إن جميع البشر مهما سمت خدمتهم وجهادهم خطاة أمام الله، وقبولهم أمام الله إنما هو باستحقاق دم يسوع المسيح فقط، وليس لأحد من البشر مهما كانت خدمته وكفاحه وجهاده استحقاق ذاتى يقف به أمام الله، فان السماء ليست بطاهرة أمامه، وإلى ملائكته ينسب حماقة.

لذلك يجب أن ننتبه أكثر إلى ما سمعناه لئلا نفوته، لأنه إن كانت الكلمة التى تكلم بها ملائكة صارت ثابتة، وكل تعد ومعصية نال مجازاة عادلة. فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد إبتدأ الرب بالتكلم به” (عبرانيين2: 1-3).

(9) عقيدتنا في المعمودية والعشاء الربانى

اللفظ “ السر” يفيد الشئ المخفى أو الشئ الذى لا يدركه عقل البشر كاتحاد ناسوت المسيح بلاهوته، وكفاعلية الروح القدس فى قلب الإنسان.

وفى الكتاب المقدس استعملت بمعنى رمز أو إشارة لأمور خفية، كالتمثال الذى رآه نبوخذ نصر فى الحلم كسر أو إشارة إلى تعاقب أربع ممالك.

وبهذا المعنى يكون أن ممارسة فرائض تستعمل فيها علامات حسية للدلالة على فوائد روحية لكى تصير وسائط فعالة ببركة كافية للغاية التى تعينت من أجلها. فمثلا كلمة الخبر- خبر الكرازة- هى فى ذاتها كلمة عادية للمستمع العادى، لكن الرسول بولس يكتب فى (1تسالونيكى2: 13) “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ” ويتضح هنا أن الكلمة كانت ككلمة الناس لكنها بالنسبة للمؤمنين صارت ككلمة الله.

وكلمة سر المستعملة فى العهد الجديد هى من أصل لاتينى، وقد استعملت للدلالة على “ الرهنية” التى يودعها الطرفان المتقاضيان فى خزانة المحكمة حتى يصدر الحكم. والذى يخسر القضية تضيع علية “ الرهنية” واستلام “ الرهنية” هو إشارة إلى كسب القضية.

ثم استعمل اللفظ فى الكنيسة الأولى للدلالة على “رمز مادى” يشير إلى حقيقة روحية غير منظورة.

أى أنه إشارة محسوسة تشير إلى شئ غير محسوس.

والإشارات الخاصة بالمؤمنين فى الكنيسة تكون إشارات إستعمالها قاصرة على شعب الرب (الكنيسة) وإلا صارت سراً إلهياً، لكنه للعالم كله، لأن الله يملك كل العالم. لكنه ملك الكنيسة بصفة خاصة.

ونخرج من هذا أن للسر الإلهى الذى يمارس داخل الكنيسة ثلاث شروط:

أن يكون قد وضع أولاً بترتيب إلهى

يتضمن عناصر محسوسة تشير إلى أشياء غير محسوسة.

أن تكون الممارسة قاصرة على شعب الرب (الكنيسة).

  ووفقاً لهذه الشروط نجد فى العهد القديم عمليتين ينطبق عليهما التعبير “سر”:

1- الختان:

وهو علاقة حسية تشير إلى الدخول فى دائرة العهد مع الرب (رومية2: 28، 29، 4: 11، 12)

وهو بترتيب إلهى (تكوين17: 10-13، خروج12: 48) وممارسته قاصرة على شعب الرب.

2- الفصح:

وهو أيضاً بترتيب إلهى   (خروج12: 24- 27)

وأعطاه الرب لشعبه فقط (خروج12: 43، 44)

وفيه ذبيحة محسوسة تشير إلى عمل المسيح الذبيح.

وفى العهد الجديد رسم الرب يسوع نفسه المعمودية بالماء لتحل محل الختان فى العهد القديم- كما رسم العشاء الربانى ليحل محل الفصح.

ولذلك فالكنيسة الإنجيلية تؤمن وتمارس السرين وهما المعمودية والعشاء الربانى.

وهنا يلزم الإشارة إلى المفهوم الإنجيلى للسر، فهو يعطى القدسية للمشار إليه وهو الدخول فى العهد مع الله وانسكاب الروح القدس فى حالة المعمودية وهو المشاركة فى فوائد ذبيحة الرب يسوع فى حالة العشاء الربانى.

أما المادة المحسوسة فتأخذ قيمتها من إدراك الذى يقبلها مثلما ذكرنا فى مثل كلام وعظ بولس أن أهل تسالونيكى قبلوه على أنه كلام الله وكان لهم كذلك، ومثلما نقرأ فى رومية2: 25 أن الختان بالنسبة للمتعدى قد صار غرلة.

وهنا نأتى لندرس معاً كلا من السرين بنفصيل أكثر:

أولاً: المعمودية

هل المعمودية سر:

نعم هى سر مقدس للمقدسين ويسمى فريضة أيضاً، لأن الذى رسمها هو الرب يسوع، فهى بترتيب إلهى وبسلطانه. ونقرأ فى (متى28: 18، 19) “ فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.”

والمعمودية فريضة أيضاً لأن “ مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.” (مرقس16: 16)

متى بدأت المعمودية؟

ذكرت فى العهد الجديد أولاً معمودية يوحنا المعمدان.

وقد قبل الرب يسوع المعمودية من يوحنا المعمدان.

ولكن المعمودية التى فرضها الرب يسوع تختلف عن معمودية يوحنا، لأن معمودية يوحنا المعمدان كانت بماء للتوبة، أما معمودية المسيح فهى بالروح القدس والنار.

ما هى غاية المعمودية؟

إشارة إلى تطعيمنا فى المسيح وتجديد الروح القدس ومغفرة الخطايا وتسليم حياتنا للمسيح لنسلك فى هذه الحياة “أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ.” (رومية6: 3، 4)

برهان كفاية دم المسيح لغفران الخطية وإزالة قوتها فنقرأ فى (1بطرس3: 21) ( يتكلم عن فلك نوح) “الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،”.

ولعل الترجمة اليسوعية أوضح إذ تقول: “ تابوت نوح الذى خلص فيه نفر قليل- أى ثمانية أشخاص- بالماء المرموز إليه به أى المعمودية المراد بها لا إزالة وسخ القذر عن الجسد بل إختبار الضمير الصالح لدى الله يخلصكم الآن بقيامة المسيح”.

علامة حسية منظورة للفرد والعائلة.

علامة أعتراف علنى أمام الكنيسة والمجتمع بأن المعتمد هو تابع للمسيح.

علامة دخول المتعمد أو المعمد إلى الكنيسة المسيحية المنظورة.

رمز وختم لعهد النعمة وبركات الخلاص التى تقبل بالإيمان.

ما هى شروط معمودية البالغين:

الإيمان بربنا يسوع المسيح كمخلص والاعتراف بالايمان الكامل بالآب والابن والروح القدس الإله الواحد أمام الكنيسة.

التوبة عن الخطايا السالفة “فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا، وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (أعمال2: 38)

التعهد بالمعيشة كما يحق لإنجيل المسيح والاجتهاد فى ممارسة وسائط النعمة.

 

 

 

هل تجوز المعمودية للبالغين ولأولادهم أيضاً؟

+ نعم يجوز فقد اعتمدت ليديا وأهل بيتها (أعمال16: 15) وحافظ سجن فيلبى والذين معه أجمعون (أعمال16: 33) وكرنيليوس وأقر بائة (أعمال10: 47، 48)

+ والختان فى العهد القديم – الذى هو المعمودية فى العهد الجديد- كان للأطفال

وقد قدم يسوع للختان فى اليوم الثامن (لوقا2: 21)

والعهد لم يكن لإبراهيم وحده بل له ولنسله أيضاً.

+ وفى كل الكتاب المقدس نرى أن الرب قد أوجد العائلة لتكون أساساً للكنيسة ومثالاً لها.

+ وفى العهد مع نوح يقول الرب “ ها أنا مقيم ميثاقى معكم ومع نسلكم من بعدكم” (تكوين9: 9)

+ وفى العهد الجديد يتكلم الرب على لسان بطرس قائلاً: “لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُم “ (أعمال2: 39)

+ وايضاً فى (1كورنثوس7: 14)  كما أن الأولاد مقدسون بسبب إيمان والديهم” .

+ عهد النعمة هو للأولاد كما أنه للبالغين أيضاً فكلهم يكونون كنيسة الرب بل الأولاد هم المثال لدخول ملكوت السموات (إقرأ لذلك: متى19: 14، أفسس6: 1-3، كولوسى3: 20، 1كورنثوس7: 12-14).

هل مجرد المعمودية بالماء تكفى لغفران الخطايا وحلول الروح القدس للولادة الجديدة:

بدون الإيمان فى القلب لا ينفع الماء شيئاً. إنه مجرد العلامة الظاهرة ولكن الرب لا يأخذ بالظاهر. لقد كان يهوذا بين التلاميذ حين غسل الرب يسوع أرجل الكل، وقال إنه لا حاجة لكم لتكميل تطهيركم إلا إلى غسل أرجلكم. لكن حتى الماء الذى صبه الرب يسوع نفسه على رجل يهوذا لم يغير شيئاً من إرادة يهوذا أو مصيره.

بل إننا نقرأ فى يوحنا 13 أن الرب يسوع قد خصه بلقمة خاصة قدمها له، ولم تكن فقط للبركة أو لقطع عهد، لأن قلب يهوذا لم يكن مستعداً لذلك فقد اغتسل بيد يسوع وأكل من يد يسوع ومازال هو ابن الهلاك كما قال عنه السيد الرب.

فالفعل الحقيقى فى المعمودية ليس فى الماء بل فى الروح القدس الذى يعمل حسب إيمان الشخص المتعمد. وإذا كان المعمد طفلاً فالأمر متوقف على إيمان الوالدين اللذين قدماه للمعمودية وإقرارهما أنهما يربيانه فى إيمانهما فى مخافة الرب وإنذاره.

ولذلك فالكنيسة لا تتحدد بشكل معين للمعمودية بالماء بل يجوز المعمودية بالماء بالرش أو السكب أو التغطيس.

 

 

لماذا تجوز المعمودية بالسكب أو الرش أو التغطيس:

يجوز المعمودية بالسكب:

لأن كلمة معمودية أصلاً استعملت للغسل (متى15: 2 فانهم لا يغسلون أيديهم عندما يأكلون خبزاً) وغسل اليد لا يكون بالدفن أو التغطيس بل بالحرى بالسكب، ونفس الكلمة استعملت بنفس المعنى أيضاً فى (مرقس7: 4 وفى لوقا11: 38).

كما أن العهد الجديد يذكر أن الإسرائيلين اعتمدوا لموسى فى السحابة وفى البحر (1كورنثوس10: 2) وكان هذا قطعاً برش المطر أو سكبه إن كان غزيراً. أما الذين دفنوا فى ماء البحر فهم المصريون وحدهم وواضح أنهم هلكوا.

ثم أيضاً إن كانت المعمودية بالماء هى إشارة إلى المعمودية بالروح القدس فقد أشير إلى الروح القدس بلفظ “إنسكاب” أو “ سكيب” (إقرأ لذلك إشعياء44: 3، 63: 1، حزقيال36: 25-27، زكريا12: 10، أعمال2: 2، 17، 18).

ويجوز أيضاً المعمودية بالرش:

+ لأنه فى نظام الفصح كان رش الدم على العتبة العليا للباب والقائمتين كافياً لأن يعبر الملاك المهلك عن هذا البيت لأنه مخصص للرب.

+ وفى حزقيال36: 25 يقول وأرش عليكم ماء طاهراً فالرش إذا يكفى للتطهير.

وبالمثل يشير بطرس الرسول فى رسالته الأولى إلى رش دم يسوع المسيح

+ ثم أنه ورد فى العهد الجديد حالات معمودية لا تحتمل إلا أن تكون معمودية بالرش أو السكب، مثل معمودية الثلاثة الآلاف نفس فى أورشليم وليس فى أورشليم نهر واحد أو بركة للتغطيس.

ومعمودية بولس فى أعمال9: 17- 19 كانت فى البيت دون إحتمال وجود استعداد لمعمودية للتغطيس. ونفس الشئ ينطبق على معمودية كرنيليوس (أعمال10: 47، 48) وكذلك إعتماد سجان فيلبى (أعمال16: 33).

(ج) وتقبل الكنيسة أن تكون المعمودية بالتغطيس:

+ لأن بولس الرسول يشبه المعمودية بالدفن فى كولوسى2: 13 وأيضاً فى رومية6: 4 وإن كان البعض يرى أن التشبيه لا يجوز أن يؤخذ بحرفيته. فاذا أخذنا بحرفية الدفن معه فى المعمودية، فما هو الملموس الحرفى الذى يشير إلى القيامة معه أيضاً؟ وهو تعبير ورد فى نفس النص.

ولكن حتى مع قيام هذا السؤال، فما دامت معمودية الماء حسبما أوصى بها المسيح لا ترتبط فى نص فرضها بشكل معين، فلا مانع أن تكون بالتغطيس أو الرش أو السكب.

 

 

ثانياً : العشاء الربانى

1- ما هى الأسماء الكتابية المختلفة للعشاء الربانى؟

(أ) عشاء الرب كما جاء فى 1كورنثوس11: 20 والعشاء هو الوجبة الرئيسية

(ب) مائدة الرب كما جاء فى 1كورنثوس10: 21 على أن الرب هو المضيف

(ج) كأس الرب كما جاء فى 1كورنثوس10: 21 على أن الرب هو المبارك.

(د) شركة جسد الرب كما جاء فى 1كورنثوس10: 16 على أن الجماعة مرتبطة بواسطة جسد الرب.

(هـ) كسر الخبز كما جاء فى أعمال2: 42

(و) ويسمى أيضاً الأفخارستيا أى ذبيحة الشكر لارتباط الممارسة بتقديم الشكر كما جاء فى متى26: 26، 27

2- بأى معنى نعتبر العشاء الربانى “سراً”؟

بمعنى أنه فريضة رسمها الرب يسوع نفسه

وحدد فيها استعمال أشياء حسية عند تناولها بالإيمان تعطى مدلولا روحياً وفائدة للمتناول. وتناولها قاصر على شعب الرب.

3- ما هو الغرض الأساسى من رسم العشاء الربانى؟

(أ) لنذكر موت الرب (لوقا22: 19، 1كورنثوس11: 24، 25).

(ب) الإخبار بموت الرب إلى أن يجئ 1كورنثوس11: 26

(ج) لنكون شركاء مع الرب فى آلامه وفى قوته 1كورنثوس10: 16- 22.

(د) علاقة العهد الجديد فى المسيح وانتظار الملكوت          

                                                متى26: 28، 29

                                                1كورنثوس11: 25

                                                يوحنا6: 51

(هـ) وليمة الفرح بالملكوت        متى26: 29

(و) وليمة الشركة بين الأخوة المؤمنين 1كورنثوس 10: 16

4- ما هى العناصر المستعملة فى عشاء الرب وهل اختلفت الكنائس عليها؟

العناصر التى أستعملها الرب يسوع كانت الخبز والخمر.

ولكن لأن الرب قد رسم هذا العشاء وقت الفصح وهو قد حل محله وقد كان اليهود حسب الشريعة يأكلون خبزاً فطيراً فى الفصح أى بدون أية خميرة فيه فقد استعمل الرب يسوع الخبز بغير خمير.

إلا أن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية تصر على أن يكون الخبز مختمراً حتى يتميز عن الفصح اليهودى.

أما الكنائس المصلحة فلا تعلق أهمية كبيرة على نوع الخبز المستعمل.

أولاً: لأن الحرف يقتل وليس السر فى نوع الخبز لكن فى الإيمان الذى نتناول به الخبز لكى نتمتع بالفوائد الروحية.

وثانياً: لأن الرب يسوع استخدم الخبز الموجود أمامه للعشاء العادى فى ذلك الوقت ولم يكن فى أى بيت يهودى فى تلك الليلة خبز مختمر.

وعند لقاء الشركة المذكور فى سفر الأعمال فى أول كل أسبوع كانوا يجتمعون للشركة أى للعشاء معاً ثم يكسرون الخبز، نفس الخبز الذى تناولوا معه العشاء مثل ما فعل الرب يسوع.

5- ما هى الآراء اللاهوتية المختلفة بشأن طبيعة العشاء الربانى؟

(أ) رأى زونجلى:

إن العشاء مجرد ذكرى ومن الشواهد الكتابية السابقة يتضح أن للعشاء عدة مفاهيم أخرى، وبذلك يكون تعبير زونجلى عن العشاء ناقصاً.

(ب) رأى الكنيسة التقليدية:

وهو أن الخبز يتحول إلى جسد حقيقى والخمر إلى دم حقيقى، وهذا أيضاً لا يتمشى مع ما جاء فى الكتاب المقدس لعدة أسباب أهمها:

أن الرب يسوع عندما رسم العشاء الربانى لم يكن قد صلب بعد، بل كان معهم بلحمه ودمه. وإنما قصد أن يكون الخبز إشارة إلى جسده والكأس إشارة إلى دمه.

ثم كيف يمكن أن يكون أن يهوذا قد أكل جسد الرب وشرب دمه ومع ذلك باعه، وأكثر من ذلك أنه فقد فرصة التوبة.

كما أن الأخذ بمبدأ الاستحالة يبطل معنى الشركة والعهد فالإنسان يقدم المادة والرب يرسل الروح القدس ويدخل كلاهما فى عهد لا على أساس المادة مهما كان نوعها لكن على أساس عمل الروح القدس الذى يحرك الإنسان إلى الإيمان والتوبة والذى يعطى فوائد الخلاص بالمسيح.

وهكذا نرى ما ينطبق على الماء فى المعمودية ينطبق على الخبز والخمر فى عشاء الرب.

(ج) الرأى اللوثرى:

وهو محاولة للتوفيق بين الرأيين، الزونجلى والتقليدى، فيقول إن الخبز ونتاج الكرم لا يستحيلان فى جوهرهما إلى جسد المسيح ودمه، إلا أن المسيح حاضر فى الفريضة جسدياً ويرافق العنصرين بطريقة سرية، حتى أن المشترك الذى يقبل المسيح بمعنى سرى تكون لعناصر العشاء بالنسبة له فاعلية حقيقة ذاتية، وأما الذى يتناول بغير إيمان فتكون العناصر بالنسبة له بغير فاعلية سرية، أى لا يأكل جسد المسيح ولا يشرب دمه، بل يظلان بالنسبة له خبزاً وخمراً.

(د) الرأى المصلح أو الكلفينى:

(وهو رأى الكنيسة الإنجيلية) ومفاده أن فاعلية العشاء الربانى ليست ذاتية فيه، لكنها تحصل بواسطة الروح القدس الذى يرافق العناصر، ويوصل الفوائد الروحية إلى القلوب التى تتناوله بالإيمان.

فالروح القدس هو الذى يجعل الفريضة المقدسة واسطة لتوثيق روابط الاتحاد بين المؤمنين وبين فاديهم، وعلى هذا يكون للعشاء الربانى فاعلية روحية عظيمة لأننا بالإيمان نشترك فى جسد الرب ودمه، ونتثبت فى العهد وننمو فى النعمة.

ما لزوم إمتحان النفس قبل التناول من المائدة؟

لتجديد التوبة وتأكيد الإيمان.

ولإعداد النفس للطاعة لما يرشد به الروح القدس.

ولإعلان الخضوع للدعوة العليا والإرشاد المستمر.

أقوال بعض الآباء

فى عناصر العشاء الربانى

تقول بعض الطوائف إن الخبز يتحول إلى جسد حقيقى، وأن الخمر يتحول إلى دم حقيقى... وإليك بعض التعليقات عن هذا.

فى الكنيسة الغربية:

ظهر التعليم بالاستحالة لأول مرة عندما قدمه باسخاسيوس رادبركس فى منتصف القرن التاسع. ورد عليه فى ذلك الوقت راترامنس قائلاً: “ أما من جهة الجواهر المادية فكما كانت قبل التقديس لم تزل كذلك بعده” وقال أيضاً أريجينا وهو من نفس الكنيسة فى نفس العصر “ .. نقدمه روحياً ونأكله عقلياً بالذهن لا بالأسنان” ولم تقبل الكنيسة الغربية هذا التعليم رسمياً قبل المجمع اللاترانى الرابع سنة 1215.

أما فى الكنيسة الشرقية:

فقد سجلت فى قرارات مجمع قسطنطينية سنة 754 “ أن العناصر فى الأفخارستيا إنما هى بمنزلة رموز أو إشارات” ولم تقبل الكنيسة عقيدة الاستحالة رسمياً قبل صدور كتاب إقرار الإيمان الأرثوذكسى لبطرس موغيلاس من كيفا فى روسيا سنة 1643.

ويجدر بنا أن نورد هنا آراء بعض آباء الكنيسة الشرقيين على سبيل المثال لا الحصر:

+ القديس أثناسيوس فى عام 370م كتب فى شرح إنجيل يوحنا الأصحاح السادس: “ أن مناولة جسد المسيح ودمه حقيقة أمر لا يقبل، وأما المعنى الذى قصده المسيح فى هذه الآيات فلا يقبل إلا روحياً”.

+ ويقول يوحنا فم الذهب سنة 400م “ إن الخبز المقدس يستحق أن يسمى جسد الرب، مع أن الخبز لم يزل على حقيقته” .

+ وقال أغسطينوس سنة 420م إن قول المسيح إنه يعطينا جسده لنأكل لا يجوز فهمه جسدياً، لأن نعمته لا تقبل بالأسنان. وأما قول المسيح “ هذا هو جسدى” كان بمعنى أن الخبز وضع علامة لجسده.

(10) عقيدتنا الوكالة المسيحية

أساس الوكالة المسيحية:

كل من يخترع شيئاً يملك حق إختراعه والقانون يحميه، وكل من وضع لحناً أو كتاباً يملك حق ما أنتجته قريحته.

والله خالق السموات والأرض، وكل ما فيها، خلقها بأمره من العدم لذلك فبحق الخليقة يمتلك الله كل شئ.

“اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. هُوَ صَنَعَنَا، وَلَهُ نَحْنُ، شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ.” (مزمور100: 3)

“لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا، الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا، “ (مزمور24: 1).

وقد أعلن الله مراراً هذه الحقيقة، فقال لشعبه: “فان لى كل الأرض” (خروج19: 5) “ لأن لى الأرض وأنتم غرباء ونزلاء عندى” ( لاويين25: 23).

“ لى الفضة ولى الذهب يقول رب الجنود” (حجى2: 8).

والله يمتلك شعبه المفدى بحق آخر بالإضافة إلى حق الخلق، وهو الفداء. فان الله بذل ابنه الوحيد ليشترى أولاده المؤمنين من قبضة الشيطان ولذلك سمى الشعب المفدى أنه “شعب إقتناء” (1بطرس2: 9) وقال بولس للمؤمنين: “لأنكم قد اشتريتم بثمن” (1كورنثوس6: 20).

وقد رمز إلى الفداء بانقاذ شعب الله القديم من العبودية، لذلك كانت فكرة الفداء تتردد دائماً أثناء العبادة، وعندما كان الناس يحضرون باكورة الغلات كجزء من العبادة فى الهيكل، كانوا يرددون أعمال الله العجيبة معهم وكيف افتداهم وأنقذهم.

(إقرأ تثنية26: 1-10 )، (خروج13: 11-14).

لذلك يجب أن يعترف المؤمنون بملكية الله للعالم وكل ما فيه، وبملكية الله لهم وسيادته عليهم. وقد قال بطرس عن السيد المسيح: “ هذا هو رب الكل” (أعمال10: 36).

وإذا كان الشعب العبرانى فى القديم فى كل أجزاء عبادته يذكر ويردد “إنقاذ الله له من عبودية جسدية، فكم بالحرى يجب علينا نحن أن نذكر ونشكر فداءه لنا من عبودية  الخطية القاسية، ونمجد الله حسب أمر الكتاب: “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ.”. (1كورنثوس6: 19، 20)

( إقرأ أيضاً رومية 14: 7، 8).

كذلك فان التعبير عن عبادتنا وتمجيدنا لله لا يكون مجرد تسبيح ظاهرى أو شكر كلامى، لكن العبادة و الشكر والتمجيد لابد أن تكون مصحوبة بتقديم الذات وكل ما نملك للسيد ويعبر عن ذلك رمزياً بالعطاء. لذلك اعتبر العطاء والإتيان بالتقدمات أمام الله جزءاً هاماً أساسياً من عبادة الله.

“ .......هَاتُوا تَقْدِمَةً وَادْخُلُوا دِيَارَهُ.” (مزمور96: 8) والله يوصى قائلاً: “ ..... . وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ” (خروج23: 15، 34: 20).

إن تقدماتنا إذا كانت من القلب، وبروح الشكر والعرفان الحقيقى، ترضى الله، ولكنها إذا كانت لمجرد إتمام واجب مفروض علينا فانها تجعل عبادتنا لله غير مقبولة. وقديما أراد بعض الناس أن يقدموا “شكلياً” لإتمام المفروض عليهم، فقدموا تقدمات غير ممتازة، قدموا ما يستغنون عنه: قدموا حيوانات عمياء أو عرجاء أو مريضة. فاذا بالرب يقول لهم: “وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْمَى ذَبِيحَةً، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرّاً؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْرَجَ وَالسَّقِيمَ، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرّاً؟ قَرِّبْهُ لِوَالِيكَ، أَفَيَرْضَى عَلَيْكَ أَوْ يَرْفَعُ وَجْهَكَ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَالآنَ تَرَضُّوا وَجْهَ اللَّهِ فَيَتَرَأَّفَ عَلَيْنَا..........” (ملاخى1: 8-10).

إن تقدماتنا يجب أن تكون اعترافاً حقيقياً بمديونيتنا لله، وشكرنا له، لتكون “ ...... نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ.” (فيلبى4: 18).

واجمل ما نختم به هذا الجزء هو صلاة داود عند تقديم العطايا المعدة لبناء الهيكل، إذ قال: “لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْساً عَلَى الْجَمِيعِ. وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ، وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ.

 وَالآنَ يَا إِلَهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ. وَلَكِنْ مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَرَّعَ هَكَذَا، لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ!” (1أخبار الأيام29: 11-14).

تطبيق الوكالة المسيحية:

كان اليهود فى العهد القديم ينظرون إلى المقتنيات من ثروة ومال وغنم وأرض باعتبارها بركة من الله، وفى نفس الوقت كان الأنبياء يحذرون الناس من النظرة الأنانية إلى الثروة ويوضحون مسئولية الأغنياء نحو الفقراء، ونجد ذلك واضحاً فى أحاديث عاموس النبى وغيره من الأنبياء.

وكانت الشريعة اليهودية توصى بتقديم العشور، وهناك تشريعات كثيرة فى العهد القديم بهذا الخصوص منه إتيان العابد إلى مكان العبادة ومعه عشر كل غلاته يأكل منها ويعطى منها الفقراء وللكهنة ( اقرأ تثنية12: 6، 7، تثنية14: 22).

ولأن بعض الناس كانوا بعيدين عن الهيكل مكان العبادة كان مسموحاً للشخص أن يبيع عشر الغلات ويقدم قيمتها عند حضورة للعبادة ويعطى جزءاً منه للاوى وهو يقوم بخدمة الهيكل متفرغاً ولا نصيب له فى الأرض. (تثنية14: 24- 27) – وفيما بعد نظمت العشور فأصبح العابد يعطى عشراً للاويين وعشراً ثانياً يستهلكه العابد فى العيد فى أورشليم مع أسرته، وعشراً ثالثاً كل ثلاث سنوات وكل ست سنين بدلاً من العشر الثانى (عدد18: 21، تثنية12: 5-19، تثنية14: 22-23).

وكان التقصير فى دفع العشور يعتبر سلباً لحق الله، وكان الله يطالب به “ أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللَّهَ؟ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي. فَقُلْتُمْ: بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ فِي الْعُشُورِ وَالتَّقْدِمَةِ.......” (ملاخى3: 8-12).

ويتساءل الناس: ما موقف المسيحى فى العهد الجديد من هذه الناحية.

والواقع أن هناك نظرتين:

النظرة الحرفية:

ويتمسك أصحابها بحرفية الوصايا ويقولون إن المؤمن فى عهد النعمة لا ينبغى أن يكون أقل أهتماماً بدفع العشور من أولئك الذين عاشوا فى عهد الناموس فقد قال المسيح:”.....إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ.” (متى5: 20). كما أن السيد المسيح لم يوبخ الفريسيين على دفع العشور بتدقيق، ولكنه وبخهم لأنهم تركوا أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، واعتمدوا على برهم الذاتى لكنه قال لهم: “كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.” (متى23:23 ).

لذلك يصر كثيرون من المؤمنين على أن يقدموا لله عشر إيرادهم بالتمام ويقولون ان ترك مجال للحرية فى هذا الأمر يجعل الحماس يقل والغيرة تفتر، ويجعل الناس تعتذر بكثير من الاعذار. وأصحاب هذا الرأى يعتقدون أن الحياة المسيحية تتطلب النظام والتدقيق وعدم الاعتماد على النواحى العاطفية، لأن الانسان خاطئ وقلبه خادع، وكثيراً ما يحاول تبرير ضعفه وتقصيره- ليرضى عن نفسه.

النظرة الروحية:

وأصحابها لا يعارضون فى أن يقدم الإنسان عشوره لله، لكن ما يعترضون عليه هو النظرة الحسابية إلى الأمور الروحية، فهم يخشون أن الانسان يدفع العشور بصورة روتينية، ويتصور نفسه أنه بار وصالح لمجرد أنه يحافظ على شكليات الوصايا، مثل الفريسى الذى دخل إلى الهيكل مصلياً وقال: “..... اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هَذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ.” (لوقا18: 11، 12).

إن الوكالة المسيحية ليست حساباً بل هى تجاوب من القلب لبركات الله. وعطيته التى لا يعبر عنها. لذلك فان سؤال المسيحى:” كم ينبغى أن أعطى؟ “ هو سؤال ليس فى مكانه..... لأنه ماذا يستطيع الإنسان أن يعطى لله؟.

“ ...... إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ احْتِقَاراً.” (نشيد8: 7) فمهما قدم الإنسان لله، فانه يكون عاجزاً ومقصراً، وسيظل المؤمن المفدى فى حالة من الشكر والانبهار والتعجب مغموراً ببركات الله مسبحاً نعمته على الدوام، و بينما هو يفكر فى أن يعدد حسنات الله، إذا به يزداد من هذه البركات ويتمتع بها أكثر.”.....مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ.” (مزمور116: 12-14).

لكن هذه الحرية التى لنا فى المسيح، لا تجعلنا نتكاسل أو نتواكل، بل انها تدفعنا إلى مزيد من العطاء والسخاء؟ لأن السيد المسيح هو سيد لحياتنا كلها، وبذلك يتحول العطاء من حساب إلى فيض سخاء بلا حساب.

إن بداية الوكالة المسيحية هى الافتراق عن سلطان المال فى حياتنا، فلا يكون المال أو ما يمثله من سلطان وجاه ومركز الهاً يستعبدنا، فإما أن نعبد الله وتكون له السيادة التامة على حياتنا ويكون المال عبداً لنا نستخدمه لمجد الهنا، وإما أن يستعبدنا المال فيكون سيداً قاسياً علينا.

وقد قال السيد المسيح بوضوح:” «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ.” (متى6: 24).

هكذا كانت كنائس مكدونية وأسلوب عطائها عندما فاضت فيهم محبة الله، فانهم “ ..... فِي اخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ الْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ، لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ الطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ الطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، .....” (2كورنثوس8: 1-5).

وسبب هذا انهم “ أعطوا أنفسهم أولاً للرب” – هذا هو جوهر الوكالة المسيحية اننا نعترف بسيادة الرب علينا، وبأنه يملك كل شئ معنا، وما نحن إلا وكلاء يجب أن نتصرف بحكمة وأمانة فيما أعطانا الله.

ومن يدرس أقوال السيد المسيح بعناية يدرك بأن اهتمامه الأول كان ينصرف لا إلى مقدار العطاء بقدر ما هو إلى روح العطاء كما نلاحظ ذلك فى الأرملة التى ألقت الفلسين فقد كان هذا هو “كل معيشتها” لذلك قال الرب: “....«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ، لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا، وَأَمَّا هَذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا كُلَّ مَعِيشَتِهَا».” (مرقس12: 43، 44).

إن يسوع يركز انتباه تلاميذه إلى الأعماق وليس إلى المظاهر الخارجية، وهو يطلب الأمانة ، وهى فضيلة لا يمكن قياسها بالنظر إلى الظواهر، ولا بما يمتلكه الانسان، لكنها إتجاه فى الحياة، لذلك قال: “اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ، وَالظَّالِمُ فِي الْقَلِيلِ ظَالِمٌ أَيْضاً فِي الْكَثِيرِ. ....وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَا هُوَ لِلْغَيْرِ، فَمَنْ يُعْطِيكُمْ مَا هُوَ لَكُمْ؟” (لوقا16: 10، 12).

ولقد استودعنا الله وزنات متعددة، فان لم نكن امناء باستخدام كل الامكانيات التى جعلنا الله وكلاء عليها، فلن تكون لنا بركة فى شخصياتنا وحياتنا، وهذا يوسع نظرتنا إلى الوكالة، فيجعلها تتعدى المال والمقتنيات المادية، وتشمل عدة أمور أخرى.

فمن عطايا الخليقة التى أعطاها لنا الله، أجسادنا. وهى موضوع إهتمام الله، فهى هيكل للروح القدس ويجب أن نمجد الله فيها وبها (متى10: 30، 1كورنثوس6: 19، يعقوب2: 16).

كذلك الوقت وأوقاتنا كلها فى يد الله (مزمور31: 15) ومن واجب المسيحى أن يحسن التصرف فى وقته ويوزعه توزيعاً صحيحاً ملائماً بين العبادة، والعمل، والراحة، والعناية بشئون الأسرة.

كذلك فان عطايا الله لم تقتصر على عطايا الخليقة، بل اعطانا الله عطايا الفداء العجيب، والانجيل هو قمة العطايا التى أعطاها لنا الله وقد أعلن بولس الرسول ابتهاجه بهذه العطية بقوله: “فَشُكْراً لِلَّهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا.” (2كورنثوس9: 15). ولعل مثل الوزنات الوارد فى متى 25 لا يشير إلى المواهب المادية فحسب بل بالأكثر إلى عطايا النعمة ومواهب الفداء.

إن هناك خطراً كبيراً فى أن نعتبر الإنجيل “رأس مال” ميتاً وندفنه ولا نستحدمه ، بل يجب أن نستخدمه.

وفى رسالة رومية الأصحاح الثانى عشر نجد جوانب متعددة لمبادئ الوكالة المسيحية فى مواهب النعمة، وننصحكم بأن تقرأوا هذا الأصحاح لتروا المجالات الرائعة للوكالة المسيحية فى الجسد والروح والنبوة والخدمة والتعليم والوعظ والعطاء والتدبير والرحمة والمشاركة الوجدانية والضيافة والتسامح... وكلما استثمرنا هذه المواهب كلما زادت فينا لأن “ كل من له يعطى فيزداد. ومن ليس له فالذى عنده يؤخذ منه” (متى25: 29).

إن الله يعطى جماعة المؤمنين عطايا النعمة ليساعدهم فى وكالة الإنجيل.

وعندما يبدأ المؤمنون فى ممارسة هذه الوكالة بأمانة سينعكس هذا على حياة الجماعة وعلى حياة المجتمع الذى يعيشون فيه. وتظهر أعظم موهبة وهى المحبة (1كورنثوس13)، وهنا نكتشف أن الأعظم هو الذى ينال هذه الموهبة ويعبر عنها بخدمة الآخرين (لوقا22: 26).

 

 

 

(11) عقيدتنا العبادة والسلوك اليومي

أو

ممارسة الحياة المسيحية

قد يشعر البعض بعدم الارتياح لوجود بعض الاختلافات بين الطوائف فى فهم العقيدة المسيحية، فان مرجع هذا إلى عمق وغنى الحق الإلهى، وأيضاً فى نفس الوقت محدودية إدراك الإنسان إلا بمقدار ما أعطى له من نعمة ارشاد الروح القدس للفهم الصحيح.

ولكن الشئ الأهم الذى أرجو أن نركز عليه دراستنا فى هذا الباب هو الممارسة العملية للحياة المسيحية، وترجع أهمية ذلك للآتى:

أن الممارسة العملية هى البرهان الحقيقى لفاعلية الحق الذى نؤمن به.

الممارسة العملية هى التى تساعدنا على الدخول إلى اختبار أعمق مع الله، وبالتالى فهم أكثر قرباً لفكرة وشخصه، وتزيدنا قرباً منه.

 الممارسة العملية هى الرسالة الأقوى فى الكرازة و إعلان الإنجيل، لا بالكلام الذى قد يكون موضوع جدل ومباحثات غبية، بل بالعمل الذى لا تعلو شهادته شهادة- إذ يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات.

وممارسة الحياة المسيحية تشمل جانبين لا ينفصلان، هما العبادة والسولك اليومى. وعندما نقول إنهما لا ينفصلان فاننا نريد أن نؤكد خطورة الفصل بين العبادة والحياة اليومية، لأن العبادة وحدها بدون إظهار عمل نعمة الله فى الحياة اليومية يعنى أنها عبادة شكلية طقسية، والسجود الحقيقى الذى أعلنه الرب يسوع فى (يوحنا4: 23) “وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ.”. أما العبادة بدون الروح فقد يكون لها شكل السجود والعبادة وقد يتبعها أيضاً أعمال بر مفتعلة- أى غير نابعة من الداخل إنما لمجرد إرضاء القانون أو الطقس، ولعلنا نورد هنا حال الفريسى الذى يصلى فى كل المواعيد المحددة ويصوم مرتين فى الاسبوع ويعشر كل ما يقتنيه ويأكل حق اليتيم والأرملة.

لذلك فالعبادة والممارسات الدينية، أذا كانت بغير تأثير على السلوك اليومى، فهى عبادة زائفة ومكرهة للرب، وليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السموات.

وكما نحذر من العبادة الشكلية المنفصلة عن الحياة اليومية هكذا نحذر أيضاً من حياة شيطانية يسقط فيها كثيرون اليوم وهى التعبير الشائع “ الدين المعاملة”، ويكتفون بشكل حياة يكون مقبولاً إجتماعياً، كما بتقدمات وتبرعات لمحتاجين وكنائس وربما بأصوام فى البيوت، إلا أن ظروف عملهم التى يحتجون بها تمنعهم عن الاشتراك فى العبادة داخل بيت الله.

بل هناك من يرفضون الوجود مع الجماعة المجتمعة باسم الرب بحجة أنها جماعة لا تعيش على المستوى الذى يجب أن تكون عليه كنيسة الله.

لنذكر لهؤلاء وأولئك أن أعمال بر الانسان لا تنفع شيئاً، وأعمال بر الناموس تأتى بنا إلى الدينونة لأنها تكشف تقصيرنا وعجزنا عن أن نعمل شيئاً يرضى كمال الله.

ولنذكر أيضاً أننا بعيداً عن شركة المؤمنين و الروح القدس لا نقدر أن نحكم بمدى صلاح ما نقوم به من أعمال، فقوانين ونواميس المجتمع المتغيرة لا تصلح كمقياس للصلاح الإلهى الذى نسعى كمؤمنين نحوه.

إن الحياة اليومية يجب أن تكون ثمر عبادة وشركة مع الله.

كما أن العبادة والشركة مع الله هى الحل الأوحد لمواجهة مشكلات الحياة اليومية والقدرة على إتخاذ القرارات المناسبة. ونقرأ فى (1كورنثوس4: 1-5) “لست أحكم فى نفسى أيضاً، ولكن الذى يحكم فى هو الرب...”

ولنذكر أيضاً أن الأعمال الصالحة وحدها لا تكفى للتبرير، بل ولا تصلح له، فحتى عندما دافع الرسول يعقوب عن ضرورة الأعمال الصالحة فانه يقول:

“ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال إذ قدم ابنه ذبيحة على المذبح؟ “. وهنا نلاحظ أن العمل فى ذاته هو عبادة وتقديم ذبيحة. إذاً تقديم الذبيحة فى طاعة وعمل ظاهر هو الذى برره، ومع قيام ذبيحة المسيح الكفارية إلا أننا كمؤمنين فى العهد الجديد نقدم ذبائح الحمد وذبائح العبادة العقلية بل نقدم أجسادنا ومالنا للخدمة ذبيحة شكر للرب، وهكذا نفعل إرادة الآب الذى فى السموات” (متى7: 21).

فالعبادة والعمل- وهما الممارسة المسيحية- متلازمان ولازمان، لا لنوال التاج كما يظن البعض، فان التاج قد أعده الله لكل المختارين الذين كتب أسمهم فى سفر الحياة بمقتضى عمل نعمته، كما أن أعمالنا لا تستحق التاج لأنها مجرد أعمال طاعة فان عملنا كل ما أمرنا به فاننا مجرد عبيد بطالين نعمل ما أمرنا به- إذا ليست هى أعمال على سبيل دين- أى ننتظر ردها من الله- لأن الله قد أعطانا أولا ونحن نرد. هو أعطانا الحياة الجديدة ونحن نعطى ثمر الحياة الجديدة- الله أعطانا القوة كما تعطى الكرمة القدرة للغصن على الاتيان بثمر، ونحن نقدم الثمر لله فيفرح به لأنه ثمر عطيته لنا.

إلا أنه من الناحية الأخرى لا يمكن لشخص أن يعلن أنه يؤمن ويعبد الله ويبقى بدون إظهار ذلك فى حياته اليومية، لأن الإيمان شئ حى ونشيط وفعال، ويستحيل أن يسكن فى إنسان ما بدون عمل ما هو صالح.

إن المؤمن لا يسأل عن الأعمال الصالحة لأنه يعملها قبل أن يسأل.

ننتهى من هذا كله إلى أن ممارسة الحياة المسيحية هى فى العبادة والحياة اليومية، وهذه معاً ثمر الإيمان الذى هو عطية من الله. بهذا المفهوم نستطيع أن ننظر إلى كل الأسئلة التى تواجهنا فى الممارسة العملية سواء من حيث العبادة أو من حيث السلوك اليومى، ولنأخذ هنا بعض النماذج:

الصلاة.

الصوم.

الصدقة.

العلاقة مع الوطن والدولة.

ما يجب أن نفعل وما يجب ألا نفعل.

الصلاة

وهى اختبار العلاقة بين الانسان وبين الله الآب المحب، فيها يسكب الإنسان نفسه أمام الله بارشاد روح الله لكى يقدم التمجيد والشكر، ويعبر عن أشواق قلبه، ويقدم اعترافه بتقصيره، كما أنه فى الصلاة يشترك فى الطلبة مع الآخرين ولأجلهم.

وفى الصلاة أيضاً – ليس مجرد الكلام- لكن أيضاً الإصغاء إلى صوت الله متكلماً فى الضمير وما يرشدنا الرب إليه من أفكار، وما يوجهنا إليه من أقوال الكتاب المقدس.

ومن هذا يتضح لنا أن الصلاة بالمفهوم المسيحى هى علاقة دائمة وليست قاصرة على أوقات محدودة، كما أنها علاقة وليست فريضة، وأيضاً هى شركة مع الله وليست مجرد واجب يؤديه العبد نحو سيده، إنما عمل إيجابى فى علاقة مستمرة تظهر فى كل وقت وعلى كل مستوى، ففى خلوة الإنسان مع نفسه فى مخدعه هو مطالب أن يستمر فى هذه العلاقة ويصلى إلى الآب السماوى وهو يجازى، والجزاء ليس فقط فى إستجابة الطلبات التى تقدم فى الصلاة لكن أكثر فى الشعور بالشركة مع الله، والإرشاد إلى ما يعمل بعد أن يخرج من مخدعه – لقد اختلى يسوع كثيراً للصلاة.

وفى محيط الأسرة يشعر المؤمن أنه ملتزم بإظهار وممارسة هذه العلاقة مع الرب ويردد مع يشوع قوله: “ أما أنا وبيتى فنعبد الرب” ، واستمرار العائلة فى جو الصلاة وروح الصلاة يجعل من البيت بيتاً مسيحياً يعمه السلام والمحبة والقدرة على مواجهة مختلف الظروف بروح المسيح.

وعندما تجتمع الكنيسة أيضاً تجتمع بروح الصلاة للشركة وتأكيد حضور الله والمشاركة فى احتياجات القديسين، كما للاستعداد لمواجهة الظروف المختلفة مثلما أخذ الرب يسوع تلاميذه إلى بستان جثسيمانى وطالبهم أن يسهروا معه مصلين لكى ينال القوة لمواجهة الصليب.

الأخطاء التى نقع فيها من جهة الصلاة فتخرج عن مفهومها المسيحى العملى:

التكرار الباطل كما يصلى الأمم ، فهذا يعنى إنعدام العلاقة الشخصية بين الإنسان والله.

صلاة التظاهر لمجرد كسب مدح الناس، فهؤلاء قد استوفوا أجرهم فى حياتهم.

أن تجعل من الصلاة مجرد قائمة طلبات مادية وننشغل عن المطالب الحقيقية والأشواق الحقيقية للمؤمن، وقد قال الرب يسوع: “فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا. لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.” (متى6: 31-33).

أحياناً نجرب أن نتكلم إلى الله ولا ننتظر حتى نسمع منه بإحدى الطرق سالفة الذكر. “أوجه صلاتى نحوك، وأنتظر” (مزمور5: 3).

أحياناً نصلى ولكن صلاتنا لا تثمر لوجود إثم فى داخلنا “ إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ.” (مزمور66: 18).

الصوم

فى ضوء المفهوم سالف الذكر للممارسة العملية للتعاليم المسيحية، نرى أن الصوم هو الامتناع الكامل عن الطعام أو بعض أنواعه لأيام أو لبعض الوقت، بهدف التفرغ للصلاة والخلوة مع الرب وتدريب النفس على ترك كل شئ لضبط النفس واتباع الرب ( انظر لذلك 1كورنثوس9: 25-27).

 

وقد نصوم لأننا نريد مزيداً من الخلوة مع الرب لزيادة الشكر، أو الخروج بعلاقتنا مع الله من حالة الفتور، أو للاستعداد لمواجهة تجربة تنتظرنا مثلما عمل يسوع عندما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة قبل أن يجرب من ابليس.

شواهد من العهد الجديد لها دلالة فى موضوع الصوم:

متى9: 15- 17

 حينئذ أتى إليه – إلى يسوع- تلاميذ يوحنا قائلين: لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون؟ “ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ. لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ. وَلاَ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ، لِئَلا تَنْشَقَّ الزِّقَاقُ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعاً». “

ومن هذا الشاهد نرى أن المؤمن وهو فى حالة فرحة بخلاص الرب ونشاط حياته للعمل والخدمة لا يحتاج إلى أن يصوم، إلا إذا شعر بالحاجة إلى مزيد من هذه القوة أو لتجديدها، فالصوم ليس للتكفير عن خطايا سابقة كما يفهم البعض خطأ، بل هو لأجل تقوية العلاقة مع العريس الذى قد يشعر المؤمن ببعده عنه أحياناً.

وحقيقة أخرى هى أن قرار الصوم هو للمؤمن شخصياً أو للجماعة بحسب ظروفها الجديدة، فمؤمنوا العهد الجديد ليسوا تحت التزام أن يصوموا أصوام يوحنا والفريسيين، بل يقررون ذلك فى إطار العهد الجديد بينهم وبين الله، وفى ضوء الظروف التى يعيشونها والجهاد الذى ينتظرهم، وكأنى بالرب يسوع يقول لتلاميذ يوحنا: لا تقرروا لأحد ولا تلزموا أحداً بأصوام محددة، لكن الفرد هو الذى يقرر لنفسه حسب حاجته. كما أن الجماعة أيضاً التى تقرر حسب ظروفها وحاجتها.

أعمال13: 1-3

“ وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِيُّ، ....، وَشَاوُلُ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ».فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا. «.

وهنا نرى أيضاً أمرين- الأول أن الكنيسة كانت تصوم مع الصلاة والخدمة فى انتظار رأى الرب ليأخذ هو القرار ويرشدهم إليه- والأمر الثانى أن الكنيسة بعد أن أخذت الإعلان من الله صامت مع الصلاة لكى يأخذ الرسولان الجديدان قوة الروح للخدمة.

1كورنثوس9: 25-27

« وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. ....إِذاً أَنَا أَرْكُضُ هَكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هَكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ. بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضاً.».

فاذا نظرنا إلى الامتناع عن الطعام والشهوات أنه ضبط النفس فهو لازم، ولكنه ليس بخوف ألا نأخذ تاجنا الذى أعده لنا الرب، بل بيقين أننا كلما فرغنا أنفسنا من ذواتنا إزداد الملء فينا.

أخطاء يمكن أن نقع فيها من جهة الصوم:

أن نصوم صوماً تقليدياً بدون تحديد هدف.

أن يكون الصوم مجرد امتناع عن الأكل دون الانشغال بالصلاةز

صوم التظاهر أمام الناس لكى نظهر للناس أننا صائمون.

عدم الصوم لأن هذا يدل على إغفال قيمة الصوم أو عدم الاستعداد للمعانة القليلة مقابل الخير الكثير الذى نأخذه من الرب.

ج- الصدقة

الصدقة تعبير ورد فى تعاليم الرب يسوع فى الموعظة على الجبل: (متى6: 1-4) “«احْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلا فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، 4لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.”.

والصدقة هنا هى ما يقدمه المؤمن لإنسان آخر لسد حاجته. وفى ضوء تعاليم المسيح وبالاشارة إلى المقدمة السابقة فى هذا الدرس، نرى أن الصدقة هى ثمرة للإيمان وليست ثمناً له. ليست ثمناً يسبق الإيمان فان الايمان لا يشترى بالصدقات، بل “ بالنعمة أنتم مخلصون لاٌيمان، وذلك ليس منكم هو عطية الله”- كما أنها ليست ثمناً للإيمان ندفعه بعد ذلك، لأن عطية الله لا تقدر بثمن. لكن الصدقة هى الثمرة الطبيعية للدخول إلى الحياة الجديدة بالنعمة الفعالة التى تظهر فى ممارسة عملية للمشاركة المسيحية بين الأخوة.

والمجازاة هنا لا تشير إلى تاج المجد، لأن كل الصدقات لا تكفى لشراء تاج المجد، لكن المجازاة هنا هى أن يفرح قلب الله إذ يرى كرمه مثمراً، ويفرح قلب المعطى لأنه استطاع أن يدخل البهجة إلى قلب أخ محتاج، كما أنه يفرح لأنه استطاع أن ينفذ رغبة الله فى حياته، لذلك فهو يأخذ المجازاة من الآب السماوى بمزيد من النعمة للعطية من جديد.

أما إذا أعطى لمجرد الرياء والتظاهر فقد أخذ أجره فيما يرتبط به بأن يرضى عن نفسه ويكسب لنفسه مدح الناس، ولكنه خسر الشعور المسيحى بالرضى عن النفس فى تقديم الخدمة فى سرية، وخسر رضا الرب عنه أنه أعلن محبة الله بصورة عملية للناس.

كما أن الصدقة بهذا المفهوم هى تعبير عن شعورنا نحو الرب، لذلك إمتدح السيد فلسى الأرملة أكثر من كل تقدمات الأغنياء لأنها أعطت من أعوازها، كما أنها أعطت كل معيشتها.

لذلك فعند مناقشة موضوع الصدقة لنذكر النقاط الآتية:

العطاء فى السر وعدم إنتظار مدح الناس.

العطاء فى السر لعدم جرح مشاعر الذين يأخذون.

العطاء المسيحي ليس بحدود معينة أو عن سعة أو من فضلة ما عندنا، بل بكل الطاقة وفوق الطاقة بل كل المعيشة.

العطاء لأن الله أعطانا أولاً وليس لأننا نطالبه بالثمن.

د – العلاقة مع الوطن والدولة

كمؤمنين بملكوت السموات الذى يبقى إلى الأبد وكأبناء لله لنا فيه الميراث الذى أعده الله لنا. نثق أننا غرباء هنا فى الأرض، لكن لنا رسالة هنا فى العالم- لذلك صلى الرب يسوع فى صلاته الشفاعية فى إنجيل يوحنا 17 “ ليسوا من العالم كما أنى أنا لست من العالم. لست أسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير”.

وهكذا يتضح أننا ننتظر الوطن السماوى حين ينقضى بيت خيمتنا الأرضى. ويبقى السؤال الآن: كيف نحدد علاقتنا بالوطن والحكومات فى هذا العالم مع الاعتبار لوضعنا أننا لسنا من هذا العالم كما قال يسوع عن نفسه أيضاً؟

يخطئ من يظن أننا يجب أن ننعزل تماماً عن أمور المجتمع والدولة، بحجة أننا غرباء. هيا لنرى ماذا كان موقف يسوع وهو على الأرض، وإن قلنا إننا ثابتين فيه فيجب أن نسلك كما سلك ذاك.

يسوع كمواطن يدفع الجزية :

(لوقا20: 22-26)

“أَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعْطِيَ جِزْيَةً لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟». فَشَعَر (يسوع)َ بِمَكْرِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ أَرُونِي دِينَاراً. لِمَنِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟». فَأَجَابُوا: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ». فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ بِكَلِمَةٍ قُدَّامَ الشَّعْبِ ........”.

ومع أن قيصر هو المستعمر والمسيح هو مسيح الحرية، لكننا نسعى نحو الحرية بغير تمرد، ونقدم الخضوع للسلطان ولو كان ظالماً، لأن هذه الأمور هى من الله بحسب تدبير عنايته. وهذا يتضح أيضاً من حوار الرب يسوع مع بيلاطس حين قال له بيلاطس: “ أما تكلمنى؟ ألست تعلم أن لى سلطاناً أن اصلبك وسلطاناً أن أطلقك؟ أجاب يسوع لم يكن لك على سلطان البتة لو لم تكن قد أعطيت من فوق”.

ومن دراسة الكتاب المقدس والتاريخ نرى أن الأمة اليهودية قد استحقت ظلم المستعمر الرومانى بسبب تركها الرب- لذلك فالخضوع للحاكم لا يعنى الموافقة على مبادئه، لأن هناك أساليب سلمية كثيرة بها يمكن التعبير عن الرأى بدون زيادة المشاغبات فى الأمة، ولنعلم أن الحاكم القاسى هو لتأديب الشر، وهو أيضاً لمدح الخير متى شعر به.

وإذا درسنا معاً ما جاء فى متى17: 24- الخ نرى أن يسوع مع ثورته ضد الهيكل وما يجرى فيه من مغالطات ومخالفات للحق الإلهى، وهو يعلم أنه رب الهيكل لكنه قال: “ولكن لئلا نعثرهم إذهب إلى البحر والق صنارة السمكة التى تطلع أولا خذها ومتى فتحت فاها تجد إستاراً، فخذه وأعطهم عنى وعنك”. وهكذا تخطى الرب يسوع حتى عقبة عدم وجود دراهم، وأمر بطرس أن يعمل من أجل سداد الضريبة المطلوبة.

يسوع يقدم الفرصة أولا لوطنه ويبكى أنه رفض الرسالة:

وواضح أن الرب يسوع حاول أن يقدم الرسالة لأهله أولا. وعندما جاءت المرأة الكنعانية تطلب منه المعجزة لشفاء إبنتها المريضة أجابها: “لم أرسل إلا إلى خراف بيت اسرائيل الضالة” وجاء لخاصته وخاصته لم تقبله، وهكذا فتح الباب لكل من يقبل إليه- وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله.

وقرب نهاية رسالته على الأرض نظر إلى أورشليم وبكى عليها (إقرأ لوقا19: 41- 44) وذلك لأنها لم تعرف زمان إفتقادها، ولم تستجب إلى دعوته ومحاولته أن يجمع شعبها تحت جناحيه لكى يحميها من الخراب القادم عليها بسبب رفضها له.

هذا بعض من كثير مما يمكن أن يقتبس من حياة الرب يسوع. ولنأت الآن إلى عينة واحدة مما علم الرسول بولس فى هذا الشأن، وعينة أخرى مما قاله الرسول بطرس، لنرى كيف أن الرسل أيضاً اهتموا بتذكير المؤمنين بواجبهم نحو الوطن والحكومة. فنقرأ فى (رومية13: 1-7 ) “لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين  الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. ...... لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ.......”

وهذه كلها تؤكد أننا كمسيحيين جزء لا يتجزأ من الوطن الذى نعيش على أرضه، ويجب أن يجتهد من أجل سلامه و سلامته وندفع ما علينا نحوه من التزامات.

وفى رسالة بطرس الرسول الأولى2: 11- 17 يقول:

“أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ، وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً، لِكَيْ يَكُونُوا فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرٍّ يُمَجِّدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الاِفْتِقَادِ، مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ .... فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ........ كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ. أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ.”

ومن هذه الآيات نلاحظ أن بطرس الرسول بلسان الوحى يضع الاعتبارات الآتية:

+ المؤمن غريب ونزيل فى الأرض.

+ السيرة الحسنة مطلوبة ومحاربة الجسد لازمة.

+ القدوة فى الطاعة للحكام مثلها مثل الانتصار على ضعفات الجسد تفعل هذه ولا تهمل تلك.

+ بالسلوك الشخصى النقى وبالقدوة الوطنية فى الخدمة والطاعة يتمجد الله من الآخرين الذين حتى كانوا من قبل يفترون على المؤمنين وعلى اسم الله.

+ محبة الأخوة فى الوطن الواحد تسير جنباً إلى جنب مع مخافة الله وكذلك مع إكرام الحكام.

هـ- ما يجب أن نفعل وما يجب ألا نفعل

وما دمنا فى معرض الكلام عن الممارسة العملية للحياة المسيحية نعود إلى المقدمة الأولى لنرى أن العبادة والسلوك اليومى يسيران معاً جنباً إلى جنب، ونبقى كل اليوم فى روح الصلاة، ونطلب المزيد من القوة بالصوم كلما شعرنا بالحاجة إلى ذلك، وبروح المسيح نقدم كل شئ للمحتاجين فى الخفاء وبنفس الروح نخضع للحكام ونحب الوطن.

ويبقى أمامنا سؤال واسع يتردد فى أذهاننا كلما أقدمنا على عمل من الأعمال، سواء كان من برنامجنا اليومى أو من برنامج خدمتنا أو هو برنامج جديد فى حياتنا- والسؤال هو هل يجب أن أفعل هذا أم يجب ألا أفعله؟.

كمؤمن وكابن لله أنا أعيش بالحرية التى فى المسيح فهل هذا يعنى التحرر من كل قيد يعطل خدمتى وشهادتى لله أم هو هروب من كل نظام وترتيب؟

نعلم مع بولس الرسول أن كل الأشياء تحل ولكن ليس كل الأشياء توافق.                                                                                   1كورنثوس6: 12

وكل الأشياء تحل ولكن ليس كل الأشياء تبنى                                                                                                                  1كورنثوس10: 23

وكل الأشياء تحل ولكن لا يتسلط على شئ                                                                                                            1كورنثوس6: 12

إن المؤمن إذ يدخل إلى الحياة الجديدة فى المسيح فانه يكون بالفعل قد مات عن الخطية لكى يحيا للبر الذى فى المسيح، بل يقول الرسول بولس فى غلاطية2: 20 “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. ......”.

ومعنى صلبى مع المسيح أنى صلبت الجسد مع الأهواء، فلا أسعى فى تحقيق رغبات الجسد، ولا أجد لذة فى الخطية، بل أنفر من كل ما لايرضى الرب، أمام كل عمل أو فكر جديد أقف لكى أتحقق من الدافع وراءه هل هو تمجيد اسم الرب... لأن كل ما يعمل المؤمن – حتى الأكل والشرب واللعب – فانما يجب أن يكون لمجد الله. وتقرير ما إذا كان هذا الشئ لمجد الله أم لا هو متروك للروح القدس. ويؤكد هذا قول الرب يسوع فى (يوحنا14: 26) “وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. “.

ولنذكر أن كل عطية صالحة وموهبة تامة هى نازلة من فوق من عند أبى الأنوار- فالعمل الذى يجب أن نعمله هو ما طابق إرادة الله فى حياتى وطبيعة الله الذى يسكن فى.

بقى أن نذكر شيئاً أخيراً فى سؤال الممارسة اليومية للحياة المسيحية وهو موضوع العثرة- وموضوع العثرة مرتبط إرتباطاً كاملاً بالسلوك فى المحبة، لأن المسيحى بدافع من محبته للآخرين يجتهد ألا يكون عثرة فى شئ، على ألا يبطل ذلك رسالته أو شهادته للحق. فلا تكون مجاملة الناس على حساب الحق الإلهى، خوفاً من العثرة، بل أن محبتنا للأخوة تزيدنا حماساً أن نظهر لهم الحق ونوجههم بروح اللطف والوداعة ليدركوا معنا أبعاد محبة الله.

وفى الأعمال اليومية جدير بنا أن نلاحظ بعض الأقوال الكتابية:

“ .......لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ، وَلاَ يَدِنْ مَنْ لاَ يَأْكُلُ مَنْ يَأْكُلُ - لأَنَّ اللهَ قَبِلَهُ. مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. ........” (رومية14: 1-6)

“وَلَكِنِ انْظُرُوا لِئَلاَّ يَصِيرَ سُلْطَانُكُمْ هَذَا مَعْثَرَةً لِلضُّعَفَاءِ.” (1كورنثوس8: 9).

“حَسَنٌ أَنْ لاَ تَأْكُلَ لَحْماً وَلاَ تَشْرَبَ خَمْراً وَلاَ شَيْئاً يَصْطَدِمُ بِهِ أَخُوكَ أَوْ يَعْثُرُ أَوْ يَضْعُفُ.” (رومية 14: 21).

بهذا المفهوم يستطيع المؤمن أن يقرر بارشاد روح الله والضمير فيما يتعلق بما يجب أن أفعل وما يجب ألا أفعل، سواء فى أمور الحياة اليومية أو القرارات التى أحتاج إلى اتخاذها، أو فى تقرير المظهر أو الطريقة التى أظهر بها، أو فى نوع الخدمة التى أختارها لأقدمها لاسم المسيح.

 

(12) عقيدتنا في ماذا بعد الموت؟

أو

الحياة الأبدية

“ لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يوحنا3: 16) – هذا هو ملخص الإنجيل كله!

لكل من يؤمن ويخلص حياة أبدية، مثل حياة الله التى لا نهاية لها. إنها تبدأ بمعرفة المسيح ولا تنتهى أبداً، ولا يؤثر الموت فيها.

ولا شك أننا نسأل: أين نذهب بعد الموت؟ ما هو الحال بين الموت والقيامة؟

وللإجابة نقول إن المؤمن يذهب بروحه حالا بعد الموت ليكون مع المسيح فى مجده، بينما يبقى جسده فى القبر إلى يوم القيامة. أما الخاطئ فانه يذهب بروحه إلى العذاب الأبدى، ويبقى جسده فى القبر حتى يوم الدينونة العظيم.

ويتمتع المؤمن بالسعادة فى حضرة الرب، ولكن سعادته تكمل فقط عند القيامة، إذ يقيم الرب جسده من الموت، ويغير هذا الجسد إلى جسد مجيد، يكون على مثال جسد المسيح الممجد الذى قام به من الموت (فيلبى3: 21)- وعندئذ يتمتع المؤمن- روحاً وجسداً- بالسعادة والمجد الأبديين. ويتبع الذين رفضوا خلاص المسيح الخطوات نفسها، ولكن يقوم جسدهم إلى قيامة الدينونة والعذاب الكامل الأبدى.

ويوضح لنا الكتاب المقدس أن الروح تشعر بالسعادة بعد الموت، ثم ترجع إلى الجسد عند القيامة (الجامعة12: 7) وموت الجسد ودفنه لا يتضمن موت النفس الخالدة (متى10: 28). ويبرهن لنا هذا أننا نرى موسى وإيليا على جبل التجلى مع المسيح، بعد موت موسى بنحو 1400 سنة (لوقا9: 30، 31). وقد ذكر لنا المسيح أن لعازر التقى، والغنى الشرير، كانا حيين شاعرين بعد الموت، لعازر يهنأ والغنى يتعذب، (لوقا16: 22، 23). وقد وعد المسيح اللص المصلوب التائب بقوله “ اليوم تكون معى فى الفردوس” (لوقا23: 43) فحيث ذهب المسيح ذهب اللص التائب. ويقول بولس إنه واثق ومسرور أنه سيترك الجسد ليسكن عند الرب (2كورنثوس5: 8)، ويقول إن موته هو إنطلاق ليكون مع المسيح (فيلبى1: 21، 23). أما استفانوس الشهيد المسيحى الأول فقد قال وقت استشهاده:” أيها الرب يسوع إقبل روحى” (أعمال7: 59).

يرقد المؤمن إذاً بالموت- جسده فى القبر ونفسه مع المسيح- فى انتظار القيامة... أما الذى يرفض المسيح فان نفسه تطرح فى جهنم حيث تبقى فى العقاب والظلام محفوظة إلى حكم اليوم العظيم (يهوذا6، 7). وهكذا ينال كل من الأبرار والأشرار نصيبهم الأبدى عند الموت، ولو أن هذا النصيب يكون غير كامل إلى أن يجئ يوم القيامة والحكم النهائى، فالأبرار ينتظرون قيامة أجسادهم يوم القيامة، واتحادها بأرواحهم، ودخولهم بالنفس والجسد معاً إلى السعادة الأبدية... والأشرار ينتظرون أجسادهم كذلك للذهاب بعد الدينونة إلى الشقاء الأبدى (رومية8: 23، 2بطرس2: 9، رؤيا6: 11).

جسد القيامة:

عندما يموت الإنسان يتحلل جسده فى التراب، ولكن هذا الجسد نفسه يقوم فى اليوم الأخير. حتى الذين ماتوا غرقاً يقومون- “وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ” (رؤيا20: 13).

ونعرف أن الجسد نفسه هو الذى سيقوم من معنى كلمة “قيامة” – فهى تعنى إعادة حياة ما كان ميتاً، وليس إعادة حياة شئ آخر يشبهه فى طبيعته. وعل هذا فان الجسد المقام يشبه الجسد الأرضى الذى كان، ويحمل العلامات الخاصة التى كانت به قبل الموت. وبهذا نعرف أصدقائنا فى السماء، بل نعرف أيضاً الرسل وأبطال الإيمان الذين سمعنا عنهم أو قرأنا لهم. ألم يعرف التلاميذ موسى وإيليا عندما نزلا على جبل التجلى؟ ألم يعرف الغنى إبراهيم ولعازر وتذكر إخوته الذين على الأرض؟ ويتبرهن هذا أيضاً من أن جسد المسيح المقام كان هو نفسه جسده قبل الصليب، إذ جعل المسيح تلاميذه يرون يديه ورجليه المثقوبة وجنبه المطعون. وقد إعتاد المؤمنون أن يقولوا عند دفن أحدهم: “نسلم هذا الجسد للقبر، على رجاء القيامة المباركة”.

على أن جسد القيامة يختلف عن الجسد الأرضى فى أن جسد القيامة يكون روحانياً، مجيداً لا يقبل الفساد، خالداً ذا قوة عظيمة، وليس من لحم ولا دم (1كورنثوس15: 42- 44، 51- 54) وهو مثل الملائكة من حيث أنه لا يقبل الزواج (متى22: 30).

ولنسأل : ترى متى يكون هذا؟

سيجئ يوم فيه ينزل المسيح من السماء مصحوباً بهتافات الملائكة، ويعلن بوق الله القيامة، فيقوم الأموات المؤمنون أولاً، وبعد ذلك تتغير أجساد المؤمنين الأحياء، بدون موت، ويخطف الجميع فى السحب لملاقاة الرب فوق الأرض، فى الهواء، وهكذا يكون الجميع مع الرب إلى الأبد. وهذه هى السعادة الأبدية.

السماء مكان وحالة:

السماء الى يحيا فيها المؤمنون مع الرب هى مكان، فما دام جسد المسيح البشرى فى السماء فلابد أن تكون السماء مكاناً. وقد قال المسيح: “فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، ....... أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً،.....” (يوحنا14: 2، 3) وقد سميت السماء “مدينة ووطناً أفضل، أى سماوياً “ (عبرانيين11: 10، 16) كما سميت “سماء جديدة وأرضاً جديدة” (رؤيا21: 1).

والسماء فى الوقت نفسه حالة سعادة دائمة لا تنتهى، سعادة مجيدة أبدية يحياها المؤمن مع الرب. “إذاً بقيت راحة لشعب الله “ (عبرانيين4: 9)- “وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ».” (رؤيا21: 4).

والآن ما هو موقفك من المسيح؟ هل يسكن فى قلبك وهل يحيا فيك؟ إن كنت قد فتحت له قلبك فانه يكون قد بدأ فيك حياة لا تنتهى، هى الحياة الأبدية!

“كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ.” (1يوحنا5: 13).